شهد المغرب في الفترة الأخيرة عودة المحاكمات بتهمة المس بالاحترام الواجب للملك، والمس بالمقدسات. وتم مؤخرا منع توزيع صحيفة "الباييس" الاسبانية في المغرب لأنها تضمنت رسما كارتونيا لشخص الملك. ففي مدينة تازة أصدرت إحدى المحاكم حكما قاسيا بالسجن ثلاث سنوات سجنا نافدا في حق الطالب عبد الصمد هيدور، بعد أن أدانته بعدم الاحترام الواجب للملك. صدر الحكم في محاكمة سريعة، كان يمكن لهيئة المحكمة أن تؤجل إصدار حكمها حتى تضمن توفير دفاع قانوني للمتهم كما تقتضي ذلك أبسط شروط المحاكمة العادلة. وفي الرباط أصدرت المحكمة الابتدائية حكما قاسيا، هو الآخر، بالسجن سنة نافذة ضد وليد بحمان فقط لأنه تداول على صفحة صديقه على الفيسبوك رسما كاريكاتوريا لشخص الملك. وهو الرسم الذي أصبح متداولا بقوة على صفحات الموقع الاجتماعي الذي يتجاوز عدد رواده من المغاربة فقط أربعة ملايين مشترك مغربي! قانون الصحافة والنشر المغربي بكل علاته، ينص على شرط إثبات وجود "سوء النية" من أجل الإدانة. وفي كلتا الحالتين، يصعب إثبات وجود "سوء النية" مع سبق الإصرار والترصد. فقد صرح الهيدور أمام هيئة المحكمة بأنه لم يتمالك نفسه عندما صدر عنه ما أدين بسببه مما نسب إليه. أما التهمة التي أدين بسببها بحمان، فقد تم تكييفها من اجل إدانة المتهم وليس من أجل مساعدته على تبرئته، خاصة وأن الأمر يتعلق بشاب مازال في حكم القاصر! وبعيدا عن الظروف والأجواء التي أحاطت بالمحاكمتين، وأدت إلى صدور حكمين قاسيين، فإن السياقات الحديثة التي فرضتها رياح الربيع العربي، وانعكاسها على الواقع المغربي، كانت تفترض تعاملا آخر أكثر مرونة، مع الصيغ الجديدة التي باتت تتخذها حرية التعبير في عصر التقنيات الحديثة للتواصل الاجتماعي. كما أن المنع بسبب الرسوم الكارتونية، وأكثر من ذلك الحبس بسبب هذه الرسوم، لايمكن أن يكون دائما هو الحل الأمثل لتقييد أحد أرقى أشكال التعبير الفني عن حرية الفكر والرأي والتعبير التي "يكفلها بكل أشكالها"، ويضمنها الفصل 25 من الدستور. وأكثر من ذلك نجدها تنتشر في أرقى الدول الديمقراطية، وتستهدف الملوك والرؤساء والزعماء التاريخيين والروحيين، دون أن يؤدي ذلك إلى اعتقال أصحاب تلك الرسوم أو يمنع صحفهم! السجن والمنع لن يحلا المشكل، وإنما سيعمقان أزمة مغربية هي تعبير صارخ لهذا التناقض الفاضح عن الفجوة العميقة بين الشعارات التي ترددها السلطة والواقع الذي يكذبها عند كل امتحان. موقع "لكم. كوم"