بعد سنوات من الغياب قضاها في التبشير والإنشاد الديني، يقف كات ستيفنس مجدداً على الخشبة، انطلاقاً من الدوحة ثم بيروت. المغني البريطاني الإشكالي الذي تعرّض لحملات إعلامية وقضائية مختلفة بسبب اعتناقه الإسلام، يحمل رسالة أمل إلى المنطقة المضطربة. فللمرّة الأولى في مسيرته كمغني بوب روك، يزور يوسف إسلام (كات ستيفنس) المنطقة العربية لإحياء حفلتيْن تاريخيتيْن، الأولى في قطر (مساء الغد)، والثانية في بيروت مساء السبت المقبل في مجمّع BIEL (بدعوة من «مهرجانات بيت الدين»). زار الفنان البريطاني الإشكالي منطقتنا مرات عدة، لكنها ستكون إطلالته الفنية الأولى بعد سنوات من الابتعاد عن عالم الغناء، قضاها في التبشير بالدين الإسلامي، وإنشاد النصوص الدينية من دون آلات موسيقية باستثناء الإيقاعية منها. اسمه الأصلي ستيفن جورجيو، ولد في بريطانيا عام 1948، لأم سويدية وأب قبرصي يوناني. غيّر ستيفن اسمه مرتين. في الأولى، أصبح كات ستيفنس، وفي الثانية يوسف إسلام. من هو كات ستيفنس؟ إنه الفتى الموهوب في كتابة الشعر والموسيقى والعزف على الغيتار والغناء. دخل عالم الفن عام 1966، فاتخذ اسماً فنياً، وراح يصدر الأغنيات الخاصة المستقلة. بين 1970 و1971، أطلق ألبوميْ Tea for the Tillerman وTeaser and the Firecat اللذين يعدّان من أهم ألبوماته. موسيقياً، تندرج أعماله في خانة البوب روك فولك البريطاني، بين نفَس هادئ ورومانسي عموماً. أصوله لوالده تدفعه في مرات نادرة إلى تطعيم أعماله بالنكهة اليونانية الشعبية، نغمةً ولغةً أيضاً، إضافةً إلى إدراجه آلة البوزوكي التقليدية (كما في أغنية Rubylove). أما نصوصه، فعاطفية أو وجدانية شخصية، تنطق بالسهل الممتنع أو بالسهل البسيط أحياناً، أو تدعو إلى السلام والتغيير والتآخي على طريقة Imagine لجون لينون. منذ مراهقته، اهتم ستيفنس بالروحانيات. عام 1976، زار شقيقه القدس، وأتى له بنسخة من القرآن كهدية في مناسبة عيد ميلاده ال28. ويقال إنّ ميول الفنان الشاب الروحانية تعزّزت بعد نجاته بأعجوبة من غرق محتوم. وما كان تعمّقه في الآيات القرآنية، إلّا المحفّز النهائي ليضع حدّاً لحياة الشهرة. هكذا اختار اسم يوسف إسلام. من هو يوسف إسلام إذاً؟ اعتنق كات ستيفنس الإسلام عن قناعة تامة عام 1977، وغيّر اسمه ليتناسب مع حياته الجديدة والمختلفة جذرياً عن ماضيه. راح يبشّر بدينه الجديد، ويعمل على وضع الأناشيد الدينية وأدائها، وتوزيع عائدات نشاطه المادية على ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، وخصوصاً الأطفال واليتامى. هكذا بات رسول السلام والخير، فحاز العديد من التقديرات لجهوده الإنسانية، من جهات إسلامية ومدنية حول العالم. عندما اعتنق الفنان الإسلام في السبعينيات، لم تكن العنصرية الغربيّة تجاه المسلمين قد اشتدّت. صحيح أنّ جذور القضيّة قديمة، إلا أنّها لم تأخذ منحى متطرّفاً كذلك الذي شهدته أوروبا وأميركا بعد هجمات 11 أيلول 2001. معتنق الإسلام هو في أحسن الأحوال بريء حتى تثبت إدانته. وفي أسوئها متّهَم حتى تثبت براءته. وفي أظلمها إرهابي. واجه يوسف إسلام كلّ أنواع التمييز والإدانة، بسبب خياره الشخصي في اعتناق الإسلام. في 2004، مُنع صراحة من دخول أميركا بتهمة الإرهاب، استناداً إلى تقرير إسرائيلي ملفّق يتّهمه بدعم حركة «حماس». وساد الظنّ أنّ الاتهام مبنيّ على زيارته إلى فلسطين عام 1988 دعماً للانتفاضة التي انطلقت رداً على ممارسات الجيش الإسرائيلي الوحشية تجاه الأطفال والنساء. ولتوضيح هذه المسألة، كتب يوسف على موقعه الرسمي: «يومها لم أكن قد سمعت باسم «حماس». وعلمت لاحقاً أن «حماس» لم تكن آنذاك مصنّفة كمنظمة إرهابية من قبل إسرائيل، التي كانت تدعم هذه الحركة على نحو غير مباشر لكونها مناهضة لياسر عرفات». من جهة ثانية، جلب له اعتناقه الإسلام مشاكل من نوعٍ آخر، لكنّها عادت على مشروعه بالفائدة في النهاية. تعرّض مراراً لحرب إعلامية، أبرز فصولها قيام صحف أميركية بنشر مقالات مزوّرة باسمه، لتشويه سمعته، كالقول إنه صرّح برفضه التحدّث إلى نساء غير محجّبات. غير أنّه ربح كل الدعاوى في هذه القضايا، وكان يجيِّر التعويضات المالية الناتجة عنها للأعمال الخيرية. كلّ هذه الممارسات لم تثن يوسف إسلام عن تأدية رسالته. في عام 2009 استعاد مع الموسيقي الألماني المخضرم وصديق ال «بيتلز»، كلاوس فورمان، أغنية The Day the World Gets ‘Round لعضو الفرقة المذكورة الراحل جورج هاريسون، وعاد ريعها لعائلات قطاع غزة. من جهة ثانية، شهد عام 2006 تغيّراً طفيفاً في قناعاته. بعد امتناعه عن إنتاج البوب منذ أواخر السبعينيات، أطلق الفنان البريطاني ألبوماً بعنوان An Other Cup بعد نحو ثلاثة عقود على آخر إصداراته في هذا المجال. في مطلع آذار (مارس) الماضي، وبعد انطلاق الربيع العربي في تونس ومصر، طرح يوسف إسلام مجاناً على الإنترنت، أغنية بعنوان «شعبي» My People، مطالباً بالسلام، وبالكرامة والحرية للشعوب العربية الرازحة تحت أنظمة الاستبداد. قد لا يكون كات ستيفنس رمزاً فنياً عظيماً، إلا أنّ يوسف إسلام سيبقى شخصية استثنائية طبعت تاريخ الصراع بين الشرق والغرب. الأخبار اللبنانية