خلفت الاستقالة المفاجئة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، هورست كولر، ردود فعل متباينة، وقراءات مختلفة، في الوقت الذي أرجعتها الأممالمتحدة ل”دواع صحية”. وذهب البعض إلى ترجيح فرضية تعرض المبعوث الأممي لضغوط، أجبرته على “التنحي”، في الوقت الذي تعيش فيه الجزائر وضعا استثنائيا، وتعرف مخيمات “تندوف”، حيث توجد عناصر البوليساريو، احتجاجات بين الفينة والأخرى. آراء متباينة واختلفت آراء محللين مغاربة، استقت “الأناضول” وجهات نظرهم، حول مستقبل محادثات “جنيف” التي ترعاها الأممالمتحدة، بحضور المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، وهي المحادثات الي أشرف عليها المبعوث الأممي المستقيل من منصبه. والأربعاء 22 مايو الماضي، أعلنت الأممالمتحدة أن كولر (76 عاما) الذي تسلّم مهامه في يونيو 2017، استقال من منصبه ل”دواعٍ صحية”. مستقبل المحادثات يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، العمراني بوخبزة، أن “المحادثات التي تتم في جنيف حول الصحراء، تتم تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، وهو مؤشر لمستقبل المحادثات”. وقال بوخبزة للأناضول، “وبالتالي هورست كولر، يبقى في جميع الحالات ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة، وكل ما كان يقوم به، باتفاق وتنسيق مع الأمين العام”. وتابع: “المبعوث الأممي السابق للصحراء، كان يقدم تقارير لمجلس الأمن، تناقش ويتم اعتماد مجموعة من التوصيات بشأنها”. ولفت الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن “مسألة استمرارية المحادثات، غير مرتبطة بالشخص، بقدر ما أنها مرتبطة بقناعة مجلس الأمن”. واعتبر بوخبزة، أنه “حتى لو أن الأمين العام، عين شخصية أخرى، لا أظن أن المحادثات ستتوقف، طالما أنه في اللقاءات الأخيرة التي احتضنتها جنيف، كان يتم التصريح بأن هناك نوع من الجدية ورغبة في التقدم لدى مختلف الأطراف”. التسوية المؤجلة عبد الفتاح الفاتيحي، الخبير في شؤون منطقة الصحراء والساحل، قال للأناضول: “كولر اقترح خطة لحل النزاع بناء على قراءته للوضع في المنطقة، من خلال لقاءاته وزياراته المتعددة”. وأضاف: “الاستقالة تعني إنهاء محادثات جنيف، ولا يمكن أن نتصور حلا للقضية على المدى القريب، لأن استقالة كولر وان كانت بداعي صحي، إلا أنه ظهر متفهما لطبيعة الأوضاع في المنطقة، التي لم تعد تسمح بإيجاد تسوية سياسية سريعة”. وزاد الفاتيحي: “أو على الأقل، لا تسوية للنزاع على المدى المنظور، على اعتبار الوضع المتأزم، أي وجود مشكلة سياسية ودستورية بالجزائر، الدولة الشقيقة التي تلعب دورا مهما في محادثات الصحراء بجنيف”. وتابع: هناك أيضا مخاض الانتخابات الرئاسية بموريتانيا، وبالتالي الظروف المحيطة بطرفين أساسيين، لم تتسم بعد بالاستقرار، ولا يمكن أخذ تعهدات سياسية منهما، في العلاقة بأي تصور لنزاع الصحراء”. وخلص المتحدث إلى أنه “يمكن القول، بأن محادثات جنيف باتت منتهية، إلى أن يتم تعيين مبعوث أممي جديد، وآنذاك، يمكن له أن يكمل ما خطط له سلفه، أو اقتراح خطة جديدة لحل النزاع في الصحراء”. ضغوط متوقعة وبخصوص فرضية تعرض المسؤول الأممي لضغوط، دفعته للاستقالة، قال الفاتيحي: “في الواقع كولر لم تكن عليه ضغوط، لأنه في نهاية المطاف كان مرحب به من طرف مجلس الأمن وأطراف النزاع”. واستدرك: “بالمقابل، كانت هناك ضغوط على مستوى أكبر، تتعلق بالجزائر التي ليس بوسعها أن تقدم وجهة نظرها للتسوية السياسية للنزاع، بالنظر لوضعها الداخلي”. وتابع: “علينا أن نستحضر أيضا زيارة وفد جزائري رافقته عناصر من البوليساريو إلى العاصمة الألمانية برلين، وذلك أسبوعا قبل استقالة المبعوث الأممي”. وأضاف: “المعطيات تؤكد أن المبعوث الأممي السابق للصحراء التقى الوفد الجزائريببرلين، والراجح أنه اقتنع بأن أمد النزاع سيطول، ليستقيل بعد ذلك بأيام”. الخبير في العلاقات الدولية، العمراني بوخبزة، كان له رأي آخر، وقال: “دائما في إطار التحليل السياسي هناك ما يسمى بالعلبة السوداء، التي تكون المعطيات بداخلها شحيحة وقليلة جدا ولا تتوفر إلى لدى صانعي القرار”. وأضاف: “هناك الظاهر والخفي وراء اتخاذ أي قرار سياسي، وفي التحليل السياسي نتحدث بناء على الظاهر ولا نعلم الخفي المرتبط بأصحاب القرار الذين يتوفرون على المعطيات”. ويعتقد بوخبزة، أن “قراءة القرار في سياق معين يظل رهينا بتخمينات، في ظل وجود قراءات متعددة لا ترتبط فقط بالسياق الجزائري أو الوضع في مخيمات تندوف، حيث توجد عناصر البوليساريو”. وقال: “هناك حديث عن ضغوطات يمارسها اليمين داخل الإدارة بواشنطن، ونحن نعلم ما يقع داخل الإدارة الأمريكية في إطار التقاطب بين اتجاهين، هناك اليمينيون المحافظون الذين يمثلهم بولتون، وهناك من يرى في المغرب حليفا استراتيجيا وتاريخيا للولايات المتحدة وبالتالي لا يجب المس بمصالحه”. وكان الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، قام بتعيين كولر في منصبه في غشت 2017 خلفا للأمريكي كريستوفر روس الذي استقال في أبريل من نفس العام. وبدأ النزاع حول إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول الخلاف بين المغرب وجبهة “البوليساريو” إلى نزاع مسلح، استمرحتى 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.