الاتحاد الأوروبي يحذر من رسوم ترامب.. ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد العالمي    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    أخبار الساحة    الدوري الاحترافي يستأنف نشاطه    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    مصالح مديرية الضرائب تضع حسابات مقاولات "العجز المزمن" تحت المجهر    أمطار رعدية وثلوج مرتقبة بالمغرب    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    ولي عهد السعودية يستقبل الرئيس الشرع    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين تحتج ضد تجاهل الزيادة في المعاشات    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    تحولات "فن الحرب"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبرانسي" عضويتها من لجنة محاربة الفساد إعلان مدوي عن انعدام إرادة مواجهة الآفة    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرواني: إسقاط الاستبداد والفسادهو طريقنا نحو الوحدة والتحرير
نشر في لكم يوم 22 - 01 - 2012

سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي
في وقت ودعت فيه جماعة العدل والإحسان مركب حركة 20 فبراير الشبابية، التي خصصت يوم الأحد من كل أسبوع للتنديد بالفساد والاستبداد في المغرب والحلم بثورة شبيهة بالثورتين التونسية والمصرية، واختارت فيه حركة التوحيد والإصلاح، الحليف الإستراتيجي للعدالة والتنمية، قائد الحكومة الجديدة، يظل حزبا "الأمة" و"البديل الحضاري" وفيين لخيار دفع النظام السياسي في المغرب إلى ما يسميانه "مستحقات الانتقال الديمقراطي".
بيان مبررات اختيار المقاطعة الانتخابية للعملية السياسية في المغرب، وضرورة توفير شروط التغيير من زوايا أخرى، كانت دواعي رئيسة لإجراء حوار شامل مع رئيس حزب الأمة الإسلامي في المغرب، محمد المرواني.
ركز حوار "إسلام أون لاين" مع المرواني على ثلاثة مجالات، أولها قراءته للثورات العربية، وثانيها تأثيرها على قضايا الأمة، فيما خصص المحور الثالث لقراءته للوضع المحلي في المغرب وآليات تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، مشيرا إلى غياب رؤية متكاملة للطيف الإسلامي المغربي في إدارة معركة محاربة الفساد والاستبداد، وفي الحوار اجتهادات سياسية من فاعل إسلامي لم يمنعه وضعه الصحي والمضايقات التي ألمت به، من الجهر بمواقفه الواضحة والصريحة من بنية النظام في المغرب وآليات تطويره.
وعلى مستوى الحالة المغربية، يميز المرواني بين زاويتين للتغيير من داخل النسق ومن خارجه أو ما يسميه بالسياق، مرجحا مقاربة "التغيير من خلال السياق كشكل إستراتيجي ورئيسي لاعتبار أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا".
ويرى المرواني أن: "المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد"، وفيما يلي نص الحوار:
قراءة الثورات العربية
- يعيش العالم العربي اليوم تحركات وانتفاضات اجتماعية. كفاعل سياسي إسلامي، كيف تقرأ التأثير الذاتي والخارجي في إنتاج هذه الانتفاضات؟
- العوامل الذاتية أو الداخلية هي الأساس في هذه الانتفاضات، أما العوامل الخارجية فهي عوامل مساعدة أو معرقلة ومشوشة، بحسب الحالة.
فتاريخ الاستبداد والفساد داخل أمتنا لم ينتج تنمية ولا نهضة ولا ديمقراطية ولا حقوقا ولا حريات، ولذلك مع أول وهلة أتيحت فيها الفرصة لشعوب الأمة للانتفاض والتحرك، كان ما كان. البداية كانت من تونس والنهاية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
فالشروط الموضوعية للثورة كانت ناضجة، ولم يكن الأمر يحتاج إلا لمن يطلق الشرارة الأولى. أما العوامل الخارجية المساعدة فتمثلت في الزخم الشعبي، الذي يحدثه كل انتصار تحققه إحدى شعوب الأمة بالنسبة لباقي شعوب الأمة الأخرى.
أما العوامل المعرقلة والمشوشة فتمثلت في المحاولات الالتفافية على تلك الثورات من قبل بعض دول الغرب، التي فقدت الأمل في استمرار الأنظمة الاستبدادية العميلة التي كانت تساندها وتحمي مصالحها.
- هل يمكن أن نقول إن الحركة الإسلامية تخلفت عن صناعة هذه الانتفاضات، مما كذب التوجس الغربي من "البعبع الإسلامي" ولم يبق أمام الحركات الإسلامية إلا مجاراة المتغيرات السريعة؟
- لا يمكن التعميم هنا، ففي مواقع معينة كانت الحركة الإسلامية من القوى المساهمة في إطلاق تلك الانتفاضات، وفي مواقع ثانية التحقت بالثورة بعد أن اطمأنت وحاولت تدارك ما فاتها، وفي ساحات أخرى تخلفت فعلا وشككت في جدواها.
أما فيما يخص حزب الأمة في الحالة المغربية، فقد كنا من المساهمين في حركة 20 فبراير ومن الداعمين لها، بل نظمنا في 18 فبراير 2011 وقفة احتجاجية (أي يومين قبل انطلاق الحراك المغربي ) للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ورفع المنع الظالم، الذي تعرض له حزب الأمة. وأصدرنا بيانا على إثرها كان من أبرز ما جاء فيه دعوة الشعب المغربي إلى المشاركة المكثفة في مسيرة 20 فبراير 2011.
- يتخوف البعض من أن يكون دعم الدول الغربية، خاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، للانتفاضات العربية، بمثابة وصاية بقيت الحركات الإسلامية حائرة أمامها، بين تطلع للانعتاق وبين الخوف من السقوط في استعمار جديد؟
- الغرب فوجئ بالانتفاضات التي أطلقتها شعوب الأمة. وعلاقة فرنسا بالنموذج التونسي تقدم نموذجا حيا في هذا الإطار، يفند أطروحة وقوف الغرب وراء تلك الانتفاضات.
لقد حاولت وزيرة الخارجية الفرنسية المقالة تقديم الدعم والمشورة لنظام بن علي البائد في مواجهة الحراك التونسي، وكانت فضيحة سياسية ودبلوماسية حاول الرئيس الفرنسي تصحيحها فيما بعد، فكان ما كان من مواقف فرنسية في مصر وليبيا .... والأمر نفسه ينطبق على أمريكا والقوى الغربية الأخرى، التي تعمل جاهدة للمحافظة على نفوذها السياسي والدبلوماسي وعلى مصالحها الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
في قضايا الأمة
- ما تأثير مثل هذه الثورات على قضايا الأمة، التي اعتبرت قبلها قضايا مصيرية مثل القضية الفلسطينية أو العراقية أو في وضع الأقليات الإسلامية عبر العالم؟
- أقدر أنه سيكون للثورات العربية تأثير إيجابي على قضايا الأمة بحول الله. ففي الماضي القريب، ناقش مفكرون في الأمة ثنائية التحرير والوحدة، بين قائل بأن الوحدة هي طريق التحرير، وبين قائل بأن التحرير هو طريق الوحدة. وأقول اليوم إن إسقاط الاستبداد والفساد للدولة القطرية التجزيئية داخل أمتنا هو طريقنا نحو الوحدة والتحرير وتحسن وضعية الأقليات الإسلامية عبر العالم.
- هناك اختلافات جوهرية بين مكونات الطيف الإسلامي حول آليات التغيير الراهن بين مندفع ومتردد، أي موقع يراه المرواني للتيار الإسلامي من المتغيرات الراهنة؟
- هناك مقاربتان في الرؤية التغييرية: إما التغيير من داخل النسق أو التغيير من خلال السياق (أي من خارج النسق). وأقدر أن الترجيح بين الأمرين يحتاج إلى أمرين: فقه الواقع، وفقه الواجب فيه، على حد تعبير ابن القيم الجوزية رحمه الله.
فالتغيير من داخل النسق يكون مجديا وفعالا في إحدى حالتين: أن يكون النسق له قابلية للتغيير، أي متضمنا في بنيته لقواعد التغيير، أو أن تكون القوى التغييرية من داخل النسق قادرة على تفكيك البنية الاستبدادية والإفسادية الداخلية للنسق لإحلال نسق تغييري محله.
أما التغيير من خلال السياق، فيكون مثمرا في إحدى حالتين أيضا: إما استعصاء البنية النسقية على التغيير، أو نضج الشروط الموضوعية للتغيير، وهنا تتم الاستعانة بالسياق لتفكيك النسق الاستبدادي والإفسادي.
بالنظر للمرحلة الراهنة، وضمن الحالة المغربية، أرجح مقاربة التغيير من خلال السياق كشكل رئيسي، وذلك لاعتبار أساسي هو أن دخول الشارع في المعادلة التدافعية يجعل دفع الاستبداد والفساد مقدما اليوم على مجرد مزاحمتهما، وهو ما يفرض مقاطعة لعبة الاستبداد والفساد أولا، وتزخيم النضال الشعبي السلمي المدني وتطوير وتنويع أشكاله وصيغه ثانيا، وفي المقابل لا تمنع هذه المقاربة من إمكانية الإفادة من عناصر الضعف الموجودة في بنية النسق لخدمة أهداف التغيير.
وعليه، فنحن اليوم في حزب الأمة، وضمن الشروط العامة مغربيا وعلى مستوى الأمة، مع مقاربة تركيبية تجمع بين مقاربة التغيير من خلال السياق كخيار إستراتيجي رئيسي مع الإفادة من ثغرات النسق، وذلك لتحقيق الأهداف المنشودة في الإصلاح والتصحيح والتغيير.
مقاربة الوضع المغربي
- هناك جدل إسلامي بين ثنائية: "من يحكم؟ وبما يحكم؟"، كيف يقارب المرواني الوضع المغربي وفق هذه الثنائية؟
- في الفكر السياسي الإسلامي لم يفصل الفقهاء والمتكلمون بين من يحكم وبما يحكم؟ إذ اعتبروا - في الراجح من أقوالهم - أن الشرعية السياسية:
*لا تنعقد إلا بشرعية التنصيب، وفيه جانبان: الأول، أن تقوم على الاختيار عن رضى وطواعية بلا جبر أو إكراه (وهو ما يطلق عليه في الخطاب السياسي المعاصر بانبثاق الحكومة عن صناديق الاقتراع، بما هي تجسيد للإرادة الشعبية)، والثاني، أن تمارس السلطة، لا أن تكون في خدمتها (وهو ما يصطلح عليه بكون الحكومة تحكم نفسها).
* لا تكتمل إلا بشرعية السياسات، أي سياسات تجلب المصالح أو تكثرها وتدرأ المفاسد أو تقللها.
وفي الحالة المغربية، وحيث إننا أمام نظام ملكي وراثي، لا يخضع فيه الملك للقاعدة الانتخابية، وحيث إن الملكية التنفيذية هي النظام السياسي والدستوري المغربي السائد إلى حدود اللحظة، لا تحقق مبدأ الاختيار ولا تجعل من الحكومة ممارسة للسلطة، بل مجرد خادمة لها، لأن رئيس المجلس الوزاري هو الملك، وهو المجلس، الذي يحدد التوجهات الإستراتيجية للدولة وغيرها من قضايا جوهرية كما ينص الفصل 49 من دستور 1 يوليو 2011، فإن السؤال الذي يترتب على كل هذا هو: كيف يمكن الجمع بين الملكية كشكل في النظام السياسي والاختيار كمضمون له، حيث الديمقراطية إحدى تجلياته في العصر؟
وبالتالي هناك حاجة إلى نظام دستوري وسياسي يوفر شرط شرعية تنصيب السلطة التنفيذية، باعتبارها سلطة معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال انبثاقها بكامل مكوناتها من صناديق الاقتراع وقادرة على ممارسة السلطة لا مجرد خادمة لها.
- دافعتم، وأنتم معتقلون في ما يسمى ب"خلية بلعيرج" عن أطروحة مفادها أن "التغيير الديمقراطي ممكن.. ولكن"، ما هي عوائق تنفيذ هذا التحول؟
- تكمن عوائق تنفيذ هذا التحول في أربعة عناصر: أولها، استمرار التلكؤ في دفع مستحقات الدستور الديمقراطي، والعنصر الثاني، هو استمرار تسييد المقاربة الأمنية.
أما العنصر الثالث، فيتمثل في وجود فضاء حزبي مستعد للتعاون، ضمن صيغ متنوعة، مع الاستبداد والفساد، حيث أبانت التجارب السابقة أن كل من دخلوا ليغيروا، ضمن النسق السياسي والدستوري المخزني، هم من تغير للأسف الشديد.
أما العنصر الأخير، فهو حالة التنمية البشرية التي تعتبر نتاجا طبيعيا لواقع الاستبداد والفساد.
- ولكن ألا يعتبر رفض "حزب الأمة" التصويت على الدستور المعدل تراجعا عن المدافعة الديمقراطية من الداخل نفسها التي أسس عليها أدبياته؟
- المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية، فهي مسألة اجتهادية وتقديرية، وهي مرهونة بمقتضى الترجيح بين المصالح والمفاسد.
وبالتالي، فقد نشارك في شروط حينما تترجح مصالح المشاركة، وقد نقاطع الاستفتاء والانتخابات إذا ترجح لدينا مفاسد تلك المشاركة على مصالحها وفق تقدير ما بحوزتنا من عناصر ومعطيات في الواقع لنقوم بالترجيح.
وبناء عليه، فليس لدينا أي تراجع في المقاربة، ومنهجنا التدافعي لم يتغير، وإذا كانت شهادة الواقع لا ترد، ففي الواقع اليوم ثلاثة ملامح أساسية:
أولها، وجود حركية سياسية مستمرة على امتداد أمتنا تروم وتتوخى إسقاط الاستبداد والفساد، وقد نجحت، إلى حدود اللحظة، في إسقاط ثلاثة أنظمة استبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا.
وهذه الحركية ونتائجها تجعلنا نتطلع إلى أن ننجح، كمغاربة، في إنجاز التغيير ووضع بلادنا على سكة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وغيرها من قيم أصيلة، فنحن لسنا بدعا من الأمم، فالمغاربة يستحقون أفضل بكثير مما هو معروض عليهم اليوم.
ثانيها، لقد مرت سنوات عديدة على دعوى "الانتقال الديمقراطي"، التي رفعها المخزن السياسي ببلادنا، دون تحصيل تحول ديمقراطي حقيقي، وإن كنا لسنا "عدميين" بعد حصول انفراجات، ولكنها ظلت انفراجات هشة، ولذلك لا يمكن القول إن لدينا في المغرب مكتسبات سياسية وحقوقية وديمقراطية نهائية، بل هي على الدوام معرضة للانتهاك.
واليوم تتاح أمامنا فرصة تاريخية غير مسبوقة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، وليس الانتقال الديمقراطي، وقطع دابر الاستبداد والفساد فكيف نضيعها ونفوتها ونهدرها؟ وهذا في نظرنا لا يجوز، لأنه لم يعد ممكنا منح مزيد من الفرص للمخزن السياسي وفريق عمله لإطالة عمر الاستبداد والفساد.
وثالث الملامح أن السلطة السياسية المخزنية المتنفذة في بلادنا تتعامل مع الحركية السياسية والاجتماعية (حركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها) بمنطق استراتيجية الاحتواء والتهدئة: فهي توهم المجتمع ومكوناته بالاستجابة من جهة، وتقدم على بعض الإجراءات الشكلية. ومن جهة أخرى، تستمر في التصرف كما لو أن شروط المعادلة السياسية والاجتماعية لم تتغير، فتفرغ إجراءاتها الشكلية تلك من محتواها.
وعليه، فالذي يريد دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية يأتي البيوت من أبوابها، وصدق الله تعالى حيث يقول: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، فكونهم لا يريدون الخروج، فقد كره الله انبعاثهم وثبطهم، فبقوا حيث هم، وهذه هي مشكلتنا في المغرب. فما يروج له على مستوى الخطاب شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر.
نحن قاطعنا الاستفتاء على الدستور لأن المراجعة الدستورية لفاتح يوليو 2011 لم تلب انتظاراتنا في انبثاق دستور ديمقراطي. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور لأنه لا يمكننا أن نساهم في إضفاء الشرعية على دستور يمنح الاستبداد والفساد عمرا جديدا. وقاطعنا الاستفتاء على الدستور وفاء لأرواح الشهداء وللضحايا وللمعتقلين المظلومين القابعين وراء القضبان. وقاطعنا الاستفتاء على المراجعة الدستورية لأننا لا نريد منح مزيد من الفرص للمخزن وفريق عمله للهروب من دفع مستحقات الانتقال إلى الديمقراطية.
- كيف ترى التضارب الإسلامي في التعامل مع احتجاجات 20 فبراير في المغرب، وما آفاق تلك الحركة بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان منها؟
- كنا نتمنى أن تكون مقاربة مكونات الحركة الإسلامية في بلادنا لهذه الحركية السياسية والاجتماعية موحدة، بحيث نبلور في ضوئها استراتيجية عمل موحدة، وإن لم تكن فمتكاملة، نتوزع خلالها الأدوار فيما بيننا، فإن لم تكن فمشتركة نتبادل فيها الرأي والمشورة على حد القول المأثور:"اضرب الرأي بالرأي يتولد منه الصواب".
لكن لا شيء من ذلك حصل، فقد اختار كل مكون من مكونات الحركة الإسلامية مقاربة خاصة انطلاقا من تقديراته. وفيما يخصنا، في جمعية الحركة من أجل الأمة وفي حزب الأمة، فقد اخترنا اختيارا استراتيجيا بالمساهمة في حركة 20 فبراير وبدعمها وتجويد أدائها بما يخدم المصالح العليا لبلدنا وشعبنا، وذلك على قاعدة الموجهات التالية: صيانة الهوية الكفاحية والنضالية لها، وصيانة توجهها السلمي المدني الحضاري، وصيانة استقلاليتها عن المخزن وفريق عمله وعن قوى الاستبداد والفساد المختلفة وعن الأجنبي، وصيانة تناقضها الرئيسي مع المخزن وفريق عمله.
ونحن نعتقد أن إحدى الإمكانيات المتاحة اليوم للضغط على القوى المتنفذة في بلادنا هي حركة 20 فبراير، ولذلك نحن مستمرون في دعمها والعمل من داخلها، وإذا طور الشعب المغربي هذه الحركة إلى مستوى أرقى على المستويين السياسي والنضالي، فلن نتخلف وسنكون حاضرين فيها بحول الله.
- أي مستقبل للفاعل الإسلامي في المغرب مع وصول حزب إسلامي لقيادة الحكومة الجديدة، ألم يفكر حزب الأمة في مراجعة خيار مقاطعة العملية السياسية؟
- قلت قبل قليل إن المشاركة السياسية هي الأصل، أما المشاركة الاستفتائية والانتخابية والمؤسساتية فهي مسألة اجتهادية تخضع للترجيح بين المصالح والمفاسد. وعليه، وفي ظل الشروط السياسية والدستورية المغربية الحالية، فإن الخيار السياسي الراجح يتمثل في مقاطعة لعبة المخزن الانتخابية والمؤسساتية مع العمل على تزخيم النضال الشعبي بغية تسريع الانتقال إلى الديمقراطية، وحينها ستنتفي موانع المشاركة الانتخابية والمؤسساتية، هذا هو تكليفنا كما نراه اليوم، وهو ما يحقق المناط هنا بنظرنا والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.