يتَّسِم الجدال المُسْتعرُّ، والمحتدم، والمُتشنِّج، حول المدرسة العمومية بشيء غير قليل من سوء الفهم تارة، ومن سوء الظن تارة أخرى. سوء الفهم، لأن الخلل الذي منه اعتلَّت المنظومة التربوية خللٌ عُضال، مستفحل، مستحكم في المبنى وفي المعنى. من ثمة، يُجانِبُ الحقيقة من يختزل المعضلة في اللغة الوطنية، بينما الفشل آتٍ من أسباب متضافرة تهم المدرسة العمومية في عموميتها، وفي كينونتها، وفي الغاية منها، وفي الوسائل الموضوعة لها. لنستبدل اللغة الوطنية بما شئنا من اللغات الأجنبية، لا شيء يؤكد أن الشباب سوف يجد، بعد ذلك، فرصاً للعمل لائقة وملائمة. لأن العجز ليس يكمن في اللغة الوطنية، التي يجهل الجاهلون بها قيمتها الجوهرية، وخبرتها التاريخية، وجدارتها المعرفية، وكفاءتها العلمية، وقدرتها الإبداعية. بل العجز في البنية الإنتاجية التي لا تستوعب الطلب المتزايد على الشغل من طرف حاملي الشواهد الجامعية، كيفما كان اللسان الذي به يلهجون، حتى ولو عُلِّموا منطق الطير. في الشروط التي يوجد عليها نموذجُنا التنموي السقيم والعقيم، وفي ظل التوزيع غير العادل للثروات، وللفرص، وللحظوظ، فإن سوق الشغل سوف يستمر في الانتقاء، وفي الفرز ليس بين من يملك ومن لا يملك اللغة الأجنبية، ولكن بين الذي يملك والذي لا يملك الجاه والحظوة. الواقع الاقتصادي هو المحدد للواقع اللغوي، في آخر التحليل، وليس العكس. أما سوء الظن، فلأن لا أحد من المترافعين عن سيادة اللغة الوطنية، وهو المبدأ الدستوري المحسوم شعبياً، والمفروض ألا يكون موضوع مزايدة ولا مناقصة، أقول لا أحد من بين هؤلاء، حسب ما أعلم، يختلف مع المنافحين عن اللغات الأجنبية حول ضرورة اكتسابها، وحول أهمية امتلاكها. ليطمئن حراس المعبد، فلا وجود لفسطاط يدعو إلى الجلاء اللغوي، وإلى التوحُّد اللغوي. اللغة الوطنية شرط وجود، أما اللغة الأجنبية فهي حمَّالةُ أوْجُه، منها الأنفع، والأنجع، والأنصع : الانفتاح الثقافي، والتحاور المعرفي، والتفاعل الحضاري. ومنها الأسوأ، والأشنع، والأفظع : الاستلاب، والاغتراب، ونفي الذات، إذ "تحسبُها (اللغة الأجنبية) حمقاء وهي باخسة".