عند كل انتفاضة شعبية في الوطن العربي تظهر عبارات ومفاهيم وتوصيفات جديدة وهو أمر طبيعي لأن جزء من الصراع هو صراع على توصيف ما جرى وما يجري بالخصوص . في الجزائر التي تشهد حراكا شعبيا ظهر توصيف " القوى غير الدستورية" في إشارة إلى أشخاص و جهات ليس لها وضع دستوري ومع ذلك تتحكم في المشهد وفق ما يراه المحتجون. وهو توصيف ناجح أقرب إلى المجال الأكاديمي انتشر في كل التحليلات والتغطيات الإعلامية. وهو توصيف نجح بالخصوص لأنه يضع اسما على قوى غير مرئية غالبا. في مصر ظهر توصيف " الطرف الثالث" لكنه وعلى عكس ما جرى في الجزائر توصيف فرضه الإعلام بالخصوص للحديث أو للتغطية على الجهة التي قتلت المحتجين في أحداث مختلفة( محمد محمود وماسبيرو..) . لكن المصريين سيكتشفون بعد أن انجلى الدخان أن "الطرف الثالث" كان في الحقيقة هو الطرف الأول أو الطرف الوحيد الذي امتلك مقومات توجيه الأحداث على الأرض. وفي خضم الربيع العربي أيضا سيظهر توصيف جديد في الإعلام لأشخاص يتحدثون ويقدمون باعتبارهم إما فاعلين في الأحداث أو عارفين بها . إنه توصيف " الناشط السياسي" وهو اسم مطاط يمكن أن تضعه أي قناة تلفزيونية تحت صورة متحدث ما لإضفاء بعض القيمة على ما يقوله او في حالة أخرى لتوصيف وضعه خصوصا في ظل حالة سيولة إعلامية وسياسية رافقت الحراكات الشعبية. وفي غالب الأحيان استخدم " الناشطون السياسيون" كذخيرة في معركة إعلامية شرسة خصوصا تلك التي همت الأوضاع في سوريا واليمن فقد أصبح لكل قناة تلفزيونية "نشطاؤها" الذين يبصمون على ما تقدمه من " أخبار". وفي سوريا بالتحديد سيتأجج صراع القواميس بين النظام الحاكم وأنصاره وبين الجماعات المسلحة وداعميها بل وداخل كل طرف. وإذا كان الإعلام الموالي للجهة الحاكمة في دمشق سيستنفر قاموسه المتعلق ب" محور المقاومة" و"الرجعيات العربية" و"الأمة العربية" قبل أن يضيف إليها توصيفات " التكفيريين " و" الإرهابيين " و" الأطماع العثمانية " و" العملاء" فإن القاموس على الضفة الأخرى سيعرف تغييرا مع تطور الموقف بالخصوص. فسيكون الحديث مع انطلاق الأزمة السورية عن " المتظاهرين" في مواجهة "قمع النظام" و" الشبيحة" ليتطور الأمر إلى الحديث عن "المعارضة المسلحة"(بما يفيد أنها موحدة) وانتصاراتها قبل الانتقال إلى الحديث عن " معارضة معتدلة " في مواجهة أخرى "متطرفة"……. إن القوة أو السلطة أو الطرف المهمين يفرض قاموسه على الإعلام والسياسة في أي بلد لا يكون فيه هامش كبير من حرية التعبير وحرية الصحافة وأيضا حرية البحث في العلوم السياسية وعندما تتحرك الأوضاع القائمة تتململ معها القواميس وتظهر مسميات جديدة بعضها يرمي للدفع نحو تغيير الوضع القائم والبعض الآخر يسعى لإجهاض محاولات التغيير وثالث يرغب في توجيهها في اتجاه معين. إن تاريخ الشعوب هو تاريخ قاموسها أو يكاد.