" في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر فيأتون صاغرين " خرجت هاته الكلمات العظيمة ذات يوم من فم الرائع غاندي ، لست أدري لماذا تحضرني في هاته الأيام السعيدة التي بات فيها كثير ممن يصفون أنفسهم بالعقلاء بقدرة قادر يوزع صكوك الوطنية والولاء للوطن لمن تشتهيه نفسه العفيفة فيفتي بخروج هذا عن الطاعة وذاك عن طريق الرجحان ، ينعت هذا بالمراهق وتلك ب " اللي ما عندها شغول " ويمضي في وصفه المنطقي جدا ليلصق تهمة " الثورية البائدة " و " لعب الدراري " بمن يراهم تجاوزوا الحدود ويستحقون التأديب . ثمة في هذا الوطن على ما يبدوا من يعاني من عقدة اسمها عقدة الحجر على أفكار الآخرين ، ثمة من يريد للرأي الأوحد أن يسود ويحكم ، ثمة من هو مصاب بأزمة الافتقار إلى الفعل لذلك فهو يلجأ لممارسة رد فعل يرضي غروره العليل ويحاول من خلالها إقناع نفسه أنه على صواب ، تفتقت عبقرية كاتب افتتاحية إحدى الجرائد الوطنية في عدد الأربعاء 14 دجنبر 2011 لينطلق في ممارسة الدفاع عن ما وصفه " البراهش " بالشيطان ليبدأ في سوق خطاب غزل جميل عن الموروكو مول وفتوحاته وبطولاته التي يتغنى بها الجيران قبل أهل الدار ، قال الملاك ردا على أبالسة العهد الجديد إن الذين يزورون مركب موروكو مول بالآلاف أكثر مما تجمعه مسيرات أولئك الشياطين الذين يخرجون نهاية كل أسبوع لينطقوا شعارات غامضة وغير مفهومة . صاحبنا يرى أن مشروع السيدة أخنوش مشروع مفيد وهذا حقه الشخصي ورأيه الذي يلزمه وحده ولا يملك أحد أن يصادره لكنه يذهب أبعد من ذلك ليمارس طهرانيته ويشرع في تقديم الدروس للشباب المتهور ولأولئك المغرر بهم " لنقلها صراحة هؤلاء الفتيان زادو فيه لأنهم أصبحوا يخلطون أي شيء بأي شيء ليخرجوا علينا بخلطات خيميائية شعبوية تسر الناظرين من العدميين إنهم فتية تعلموا في المدارس لكنهم يصمون آذانهم عن الحجج العقلية ويستبدلونها بدغدغة عواطف البؤساء الذين بدأت تنكشف أمامهم وجوه شباب يحتقرون ذكاءهم ويريدون أن يمتطوا ظهورهم للوصول إلى الزعامة الدونكيشوطية في زمن غير الزمن " يقول السيد المحترم ، ولست أعرف أي زمن يقصد أن ليس كالزمن الماضي ،هل هو الزمن الذي يشتغل فيه البؤساء الذين حن لحالهم مرهف الإحساس طيلة اليوم دون أن يمكنهم ما يكسبونه من دراهم من ارتشاف ثمن كوب قهوة واحد في ذلك الفتح المبين الذي يقول فيه شعرا ،هل هو الزمن الذي يقسم فيه العدل على أن لا يكون حكما ؟ ولست أعلم عن أية حجج عقلية يتحدث الرجل ، بؤساء الوطن يبحثون عن كسرة خبز يا سيدي لا عن الترف ، كنت لتبدو أكثر رزانة لو تحدثت عن الخمسة آلاف منصب شغل التي وفرها المركب التجاري للعاطلين ، كان في الإمكان أن نرفع لك القبعة على دفاعك عن حقوق الكادحين والمحتاجين في زمن قل فيه الشرفاء طبعا ...أسأل أيضا عن تلك الوجوه التي تحتقر ذكاء البؤساء ؟ أليست هي تلك الوجوه التي تبيع له الوهم بين صفحات جريدة يملكها ليبرالي يعيش في برجه العاجي ؟ أليست هي تلك الوجوه التي تدعوه للافتخار بمشروع يعرف أنه لن يستفيد منه ؟ أليست هي الوجوه ذاتها التي تحثه أن لا يكون عدميا لأن غدا سيكون أفضل ؟ أليست هي الوجوه التي تهرع للتدبيج كلما تحدث فاه بما لا يعجب وبما قد يجد طريقا إلى قلب البسطاء ؟ من يحتقر ذكاء البسطاء حقيقة ؟ ذلك الذي يقول رأيه بصراحة دون ماكياج أم ذاك الذي يمارس هواية الوقوف بجانب التيار ؟ لم أعد أعرف ، ربما أخطأنا الزمن وعلينا أن نبحث عن آلة الزمن علها ترجعنا للوراء حتى نتخلص من سخافاتنا وهلوساتنا عملا بنصيحة صديقنا ، ربما . قد نكون محاميين فاشلين أيها القاضي الناجح جدا لكن قضيتنا عادلة ، على الأقل لدينا قضية نعتقد بصحتها ونؤمن بذلك ، يلوم تجرؤنا أو ربما نقدنا لما أصبح مقدسا دون علمنا ، ثمة خطوط حمراء .. هذا ما يحاول أن يلوكه صديقنا " .. لن تواجهوا إلا شعبا يقول لكم سيرو تلعبو على قدكم " ، من نحن يا صاح ؟ نسيت أيضا أن أعلمك أننا لم نعد نعرف كيف نلعب ، لقد أضعنا طريق اللعب منذ مدة ، لا نلعب بالملايين ولا تقدم لنا الامتيازات ولا نعفى من الضرائب ولا تقدم لنا الأراضي مجانا ولا يوما كان طريقنا سالكا ، .. آه نسيت علينا أن نحول حربنا إلى المفسدين الذين نراهم رأي العين ، أعذرنا فنظاراتنا ليست كبيرة بذلك القدر سنبحث عن أخرى بميزات أفضل في محجنا بعد أن نتوب من الكفر ، لكن مرة أخرى ستسألنا سؤال كل مرة .. من أنتم ؟ سنترك الجواب لزمن غير الزمن . معك حق ، نحن فتية تعلمنا في المدارس ، في مدارس مكتظة حشرنا فيها كعلب السردين ، في مدارس درسنا فيها كل شيء دون أن نعرف شيئا ، في مدارس علمتنا السمع والطاعة ولم تعودنا على نقض المسلمات والقدر ، معك حق طبعا .. ، لقد أخطأنا الهدف فعلا ونسينا أن الفسا د يظهر ليس فقط في البر والبحر بل أيضا في تلك الصفحات البيضاء العذراء التي تغتصبها أقلام رصاص ، نعم ما نقوله لا يناسب مستوياتنا الدراسية ، كان علينا أن نكون أكثر وعيا ونضجا ، لا بأس سنحاول مرة أخرى إن كان رصيدنا عندكم يسمح . في وطننا ثمة ناس تعيش بشكل جيد جدا وثمة ناس من الجيد فقط أنها تعيش ، إنه كلام فقط نقوله نحن مراهقون حالمون يصارعون مراوح هوائية أو عدميون فاقدون للإيمان ..يقولون ، ربما يبيعون جلدنا الآن قبل سلخه بثمن يرضي الزمن الذي لم يعد كالزمن لكننا لسنا ركاما بعد سيدي القاضي، لازلنا نملك صوتا ولو كان مبحوحا .. لسنا أمواتا بعد ثمة فينا حياة تدب ، ربما نكون متهمين الآن بين القضبان في محكمة تنصب لنا المشانق ، هل لنا الحق أن نطلب منك أن تكون منصفا سيدي القاضي ؟ فهذا العالم كما يقول كنفاني يسحق العدل بحقارة كل يوم ... .