أبرزت نتائج دراسة نسب مشاهدة التلفزيون في المغرب، التي أنجزتها أخيرا مؤسسة "ماروك متري"، أن المسلسل التركي "سنوات الضياع" حظي بنسبة مشاهدة هامة جعلته يتبوأ المركز الأول بالنسبة للقناة التلفزية الثانية، خاصة بعد النجاح الكبير الذي عرفه المسلسل من خلال بثه مؤخرا على قنوات mbc. واعتبر نقاد وباحثون مغاربة أن انجذاب المغاربة وخاصة المغربيات لهذا المسلسل سببه لغة الحوار البسيطة وطبيعة المواضيع المطروحة، فضلا عن وجود عناصر التشويق والإثارة، وخلق التشويق من خلال الحبكة الكلاسيكية للكتابة الدرامية، والصورة الجميلة لأبطال هذه المسلسلات. لغة بسيطة وعزا الناقد الفني أحمد سجلماسي الإقبال الكبير للمغاربة خاصة ربات البيوت والفتيات بصفة عامة على هذا المسلسل التركي وغيره من المسلسلات التركية التي سبق عرضها على قنوات mbc إلى عاملين اثنين؛ الأول يتمثل في اللغة المستعملة والحوار بين الممثلين والممثلات، والثاني يتعلق بطبيعة المواضيع المطروحة في المسلسل التركي. بالنسبة للغة الحوار، قال سجلماسي إنها لغة مدبلجة بسيطة إلى حد الركاكة أحيانا، مما يجعلها قريبة من فهم وإدراك شريحة هامة من المغربيات، مضيفا أنها مسلسلات يطغى فيها عنصر الحوار على ما عداه من التقنيات مثل الصورة وغيرها، والحوار الشفوي تعودت عليه ربات البيوت في المجتمع المغربي أكثر من العامل البصري باعتبار انتشار بث المسلسلات والأفلام المصرية التي تسير في نفس الاتجاه. واستدل الناقد والمنتج المغربي على طغيان الحوار الشفوي في هذا الصنف من المسلسلات بكون ربة البيت أو أي سيدة عموما يمكنها أن تقضي أشغالها داخل المطبخ وهي تنصت إلى حوار المسلسل التركي ورغم ذلك تفهم قصته وأحداثه دون الحاجة إلى الحضور والتسمر طويلا أمام الشاشة. وأضاف سجلماسي عاملا ثانيا يرتبط بطبيعة المواضيع التي يطرحها المسلسل التركي سواء "سنوات الضياع" أو "نور" وغيرهما، حيث تهيمن مواضيع الحب والمال والخيانات والنميمة، وهي توابل فنية تجذب شريحة من النساء، خاصة من ذوات التعليم المتوسط أو المتدني، على حد تعبير المتحدث. ودعا سجلماسي إلى دبلجة هذه المسلسلات التركية إلى اللهجة المغربية المحلية بأسلوب ولغة راقيين عوض الاكتفاء بالدبلجة السورية أو اللبنانية، مضيفا أنه من المرتقب أن تنجز القناة الثانية المغربية مثل هذه الدبلجات باللهجة المغربية لمسلسلات تركية نالت إقبالا جماهيريا عاليا مؤخرا ومنها "سنوات الضياع" وغيرها. عناصر من جهته، اعتبر محمد الصدوقي، الباحث النفسي والتربوي، أن انجذاب المغاربة لمثل هذه المسلسلات التركية يكمن في الخطاب الدرامي الذي يتضمن عناصر التشويق والإثارة، وخلق الانتظارية من خلال الحبكة الكلاسيكية للكتابة الدرامية، والحمولات الجمالية والفنية على مستوى السيناريو والموسيقى وجمالية الأبطال، وحمولات نفسية وقيمية من قبيل الحب والرومانسية والكراهية والغيرة وصراع الخير والشر، ثم حمولات اجتماعية ومعرفية وثقافية، حيث تقدم تمثلات معينة حول العلاقات الاجتماعية وحول رؤية الإنسان والعالم والأشياء وبعض العادات والتقاليد والطقوس ذات الأصل الأرستقراطي والغني أساسا. وأكد الباحث المغربي أن العناصر السالفة الذكر المتوفرة في الخطاب الدرامي للمسلسلات التركية خاصة مسلسل "نور" و"سنوات الضياع" تؤثر لا محالة في شخصية المتلقي وفي سلوكياته الواقعية تجاه الآخر ومحيطه العام، وهذا ما وقع مثلا في حالات الطلاق والمشاكل والصراعات التي تسبب فيها المسلسل بين الأزواج. ويردف المتحدث بأنه في الحقيقة ليس المسلسل هو سبب تلك المشاكل المثارة، بل هو فقط مثير و"مفجر" لمكبوتات وعقد نفسية وأحلام طبقية أرستقراطية ولمشاكل اجتماعية معينة كانت توجد مسبقا كامنة سواء على مستوى طبيعة شخصية المشاهدين من نزوات وطموحات وأحلام، أو على مستوى طبيعة وخصوصية الحيثيات التي تم بها الزواج، أو بعض مشاكل وحالات اللاتوافق المعاشة في الحياة الزوجية. مشاكل أسرية ويعتبر الصدوقي أن المشاكل الزوجية التي أثارتها مسلسلات تركية تعود بالدرجة الأولى إلى الغيرة وإلى عدم احترام شعور الزوج وتقديره، وإلى بعض السلوكيات المتهورة والاندفاعية لبعض الزيجات. وكل ذلك يعكس لنا من الناحية النفسية والاجتماعية والقيمية بعض الخصائص النمطية السائدة في مجتمعاتنا العربية وفي حياتنا الزوجية، ومنها: - "الجوع" العاطفي الجنسي الناتج عن الكبت، أو عن غياب تربية جنسية وعاطفية سليمة ومتزنة؛ حيث نلاحظ أن بعض النساء (والرجال كذلك) يدمن على مثل هذه المسلسلات كوسيلة لتفريغ مكبوتاتهم المختلفة ضمنها العاطفية والرومانسية، والتماهي مع شخصيات المسلسل لدرجة التعلق والحب الهيستيري. وغالبا ما تكون العلاقات الزوجية الواقعية باردة عاطفيا ورومانسيا، وعدم وعي الزوج بحاجة المرأة إلى عالم الرومانسية والأحلام التي تربت عليها في ثقافتنا الشرقية التي تنشئ المرأة/ الأنثى على العاطفة واللاعقلانية والليونة واللطف (الجنس اللطيف)، وتنشئ في المقابل الرجل/ الذكر على الواقعية والعقلانية والخشونة (الجنس الخشن).. ونظرا كذلك لنمط التربية الجنسية السائدة التي تقوم على ثقافة العيب وكبت العواطف واللاتواصل الجنسي بين الجنسين، نظرا لثقافتنا المحافظة السائدة. - اللاتوافق (الوجداني والجنسي والعلائقي..) بين الزوجين، حيث غالبا لا يتم الزواج على أسس متينة وباقتناع ونضج. كما يمكن أن يكون هذا اللاتوافق نتيجة غياب التواصل الحميمي وفهم حاجيات الشريك. - غياب قيم الاحترام والتقدير المتبادل في حياتنا الزوجية. مشاهدة سليمة ومن أجل مشاهدة مثل هذه المسلسلات دون إثارة بعض المشاكل الزوجية، يؤكد الأخصائي المغربي أن على الزوج والزوجة أن يحترما بعضهما، وأن يقدرا عواطف بعضهما، والابتعاد عن أي سلوك قد يسيء للشريك في مشاعره وكينونته، كما يجب التحكم في مختلف الانفعالات والعواطف الخاصة التي قد يثيرها المسلسل بكيفية لا شعورية، ومشاهدة المسلسل بوعي واتزان وواقعية، وعدم الانسياق اللاواعي مع كل مؤثرات المسلسل، لأنه في الأخير مجرد قصة من خيال وإبداع المؤلف، يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والأسطوري، وهذا ما ينساه ولا يعيه أغلب مشاهدي الأفلام والمسلسلات (لا واقعية الفيلم). وقبل كل ذلك، علينا ألا نقبل على الزواج دون الاقتناع بالخصوصيات الشكلية والقيمية والعقلية لشريك حياتنا الزوجية، لأنها مقدسة وذات رسالة اجتماعية نبيلة تتجاوز كل نزواتنا ورغباتنا الذاتية. يذكر أن دراسة نسب المشاهدة لدى الأسر المغربية التي أنجزتها "ماروك متري" -وهي شركة مغربية فرنسية- استهدفت زهاء 778 أسرة مغربية، أي بمعدل 3970 شخصا من مختلف المناطق الحضرية والقروية بالمغرب، في الفترة الممتدة ما بين مارس 2008 ومارس 2009. islamonline :source