ذات مد شعري جارف ، كتب الشاعر الشيلي الكبير " بابلو نيرودا " قصيدة للصمت واصفا تداعيات الأرض و الوطن قائلا : الحبوب في بادئ الأمر " تفتق الأرض لتبصر النور لكنها مظلمة هذه الأرض الأم ، و مظلمة هي أحشاؤها : إني أشبه ببئر تقطف نجوم الليل التي وحدها عبر الحقول تتابع طريقها و بقدر ما عشت ، أريد أن أعيش هذه بغيتي .." و ربما يكون بدعوته الجهرية إلى العيش ، يمارس "نيرودا " مجازه الأزلي ليقيم حدا واضحا بين الصمت و الكلام ، ليصير كلاها نقيض غيره .هي دعوة ، كانت لتضيئ عتمة العالم و تمنح الهوامش الضوء وهي تهدي المقهورين فوانيسا من حنان اللغة و رعاية الصور الشعرية . " آن أن نصرخ " ، لم يقلها فقط هذا الشاعر و غيره ممن امتهنوا - إلى جانب حرفة اللغة – حرفا لا تقل أهمية ، بل تضيف نبرتها الكفيلة بنقل ضياع الإنسان و تهميشه صوب المدى الحقيقي للحياة و للعدل . و لا أدري ،لماذا كلما استبد بنا الاحساس بالقهر و اشتقنا إلى الحرية بكل ملامحها الخفية و المعلنة ، أو استيقظت في هذا المكان الذي يسميه الآخرون بوذنيب و أسميه أنا " يحب بلادا و يرحل عنها " ، أجدني لا أفضل غير ملاذ الشعر لأحفر ذاكرتي و أفصل في وجع تلك البلاد و هشاشة الوجود الذي وعت به . قد يكون المقام الآن مقاما الغة التقريرية الخالصة ، لكنني أفضل، هكذا ،دون سابق إصرار أو ترصد أن أعود إلى بوذنيب المكان التي لها في التاريخ و في هواجس الجغرافيا ما يحملها كل أعباء الصحو و الممكن ..غير أن الحالة ليست هي دائما نأمله ، أو على الأقل ما يداعب أكثر زوايا الأمنيات استحالة . " بوذنيب " ليس لهما من أرصدة المدن إلا ضبابية التصنيف تقلب الأحوال، هي المتوسدة تضاريس الإنتظار ، قدر أبنائها أن تجوز فيهم إحدى بشارات "محمود درويش " في قصيدته الخالدة " حالة حصار " : " نفعل ما يفعله العاطلون عن العمل نربي الأمل .." و ها هم واظبوا على تربيته منذ أن زج بهم سدنة التنويم و التدجين في مسلسل التسويف الرتيب ، و عودوهم على حقن " المورفين " المهدئة ..لكن " ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " .. ستحتج "بوذنيب " إلى أن تشتعل ملاحم الآتي الجميل ، و تعاد لها شهوة الفرح كما يليق بها . و لا أعتقد من موقع العارف بطبائع أهلها الطيبيين حد الحذر أن حراك يوم 25 مارس 2012 يمكن أن يتوقف على مسافة قصيرة من الشعار العابر ، إنها لحظة قوة و وعي حقيقي بمدخلات التغيير ، عساها تثمر غاياتها لنحتفل جميعا بقصائد " نيرودا " الآهلة بالإنتصارات .