محمد بن عبد الرحمان الحفظاوي يعرف المجتمع التعارفي الدنيوي حالة أو ظاهرة (ذوالوجهين): ولاأسميه نفاقا لثقل هذه التسمية التي يمكن أن تنطبق على حالة النفاق الكلي، وفي هذه الحالة تكون التسمية صريحة، ويبدو لي أنه لايخلو مجتمع مسلم من هذه الطائفة. وذوالوجهين هو الذي يكون مذبذبا بين الناس؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء همه وغرضه :مصلحته فقط، أو التنفيس عن أحقاده بالإضرار بالغير والسعي في ذلك. كما جاء في الحديث"وتجدون شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه" . أما تسمية ووصف النفاق إذا أطلق على أحوال المسلمين، مثل مانحن فيه، فمعناه كما يأتي: في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" . إذا كانت هذه علامات المنافق الحقيقي؛ فقد توجد في المؤمن المسلم، فيكون حينئذ متشبها بالمنافق متخلقا بأخلاقه، فيكون نفاقه جزئيا خاصا في هذه التصرفات وفي حق من تعامل معه هكذا، وليس منافقا نفاقا كليا عاما في الإسلام مبطنا للكفر. وفيه تحذير من اعتاد هذه الخصال أن يفضي به إلى النفاق الحقيقي. لذلك قال القرطبي:"إن المراد بالنفاق نفاق العمل، واستدل بقول عمر لحذيفة، رضي الله عنهما: هل تعلم في شيئا من النفاق؟فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل" .ومن العلماء من خص الحديث بالمنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها:إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" . وفي هذا المعنى قال القاضي:"إن المراد التشبيه بأحوال المنافقين في هذه الخصال، في إظهار خلاف مايبطنون، لافي نفاق الإسلام العام، ويكون نفاقه على من حدثهم ووعدهم وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس" . فهو نفاق عمل لا نفاق إيمان. وحصل من الحديثين أن خصال المنافقين خمسة. وقد ذكر أن مازاد في هذا الحديث يرجع إلى الثلاث المذكورة في السابق إذ أورد البخاري الحديث هنا على طريق المتابعة لسابقه لا الأصالة.