كل فعل بشري معرض للوقوع في المحظور والخطأ وسوء تقدير للنتائج. كل استعمال لحق قد يتحول إلى شطط يضر بمصالح الآخرين. فكما نتهم كل ذي سلطة عمومية بالشطط في استعمال السلطة أو الانحراف في استعمالها تعطي الحق لمن مورس ضده الشطط في اللجوء إلى القضاء لإلغاء القرار الإداري موضوع الشطط والمطالبة بتعويض مدني، يمكن أن نتهم بعض الحركات الاحتجاجية بالشطط في استعمال الحق في التظاهر يعطي الحق للمتضررين في اللجوء إلى القضاء لوضع حد للشطط والمطالبة بالتعويض المدني. فممارسة السلطة والحقوق لهما ضوابط تنظمها وإلا انقلبا إلى انتهاك لحقوق الآخرين، وبالتالي فمطالبتنا لرجال السلطة باحترام القانون والحريات الفردية والجماعية تقتضي في من يمارس تلك الحقوق أن يحترم حقوق الإدارة والمواطنين وإلا أصبح في وضعية المنتهك لحقوق الإنسان.
مناسبة هذا الكلام الحركة الاحتجاجية لمجموعة التحدي لمعطلي گلميمة الذين وإن كان لهم الحق في الاحتجاج والمطالبة بحقهم في الشغل فإن ذلك نتج عنه تعطيل ممنهج لمصالح المواطنين بباشوية گلميمة التي أغلقت أبوابها، تحت التهديد بالاعتصام المفتوح داخلها، منذ أكثر من شهر ونصف لتنتقل العدوى إلى المركب الإداري الذي يضم محكمة مركز گلميمة، النيابة العامة، دائرة گلميمة، قيادة غريس وإدارة المخزن الإداري، هاته الإدارات الخمس شهدت تعثرا في الخدمات التي تؤديها للمواطنين منذ الأسبوع الفارط.
منذ بداية الاعتصام أمام باشوية گلميمة كان لنا لقاء مع بعض أعضاء مجموعة التحدي لإقناعهم بضرورة تغيير مكان الاعتصام حتى لا تتعطل مصالح المواطنين مما قد يؤدي إلى فقدان المجموعة لتعاطف الشارع السياسي، لكن للأسف الشديد تم رفض هذا المقترح. بالإضافة إلى ذلك اقترحت بعض الفعاليات المدنية على السيد باشا مدينة گلميمة فتح حوار مع مجموعة التحدي بحضور بعض المنتخبين وفعاليات مدنية لإقناعهم بضرورة تغيير مكان الاعتصام، لكن للأسف الشديد كذلك رفض السيد الباشا هذا المقترح دون أن نعرف لحد اليوم خلفيات ذلك الرفض. كذلك كان لنا لقاء مع بعض مسؤولي البلدية حول نفس الموضوع باعتبار أن مصالح المواطنين الذين صوتوا عليهم تتعرض للضياع لكن للأسف مرة أخرى لم نجد إلا آذانا مغلقة.
أسئلة كثيرة يطرحها الرأي العام بخصوص الاعتصام المفتوح لمعطلي مجموعة التحدي تبقى بدون جواب. لماذا الاستمرار في الاعتصام رغم علم المعطلين أن حل مشكل تشغيلهم ليس بيد باشا مدينة گلميمة ولا رئيس دائرة گلميمة؟ لماذا اختار المعطلون الإدارات التابعة لوزارة الداخلية لوحدها مع علمهم أن الباشا أو رئيس الدائرة ليسا ممثلين للوزير الأول ولا لوزير المالية محليا؟ لماذا التزم منتخبوا گلميمة الصمت أمام هذا المشكل ما دام أنهم يمثلون السكان ومن الواجب عليهم المساهمة في عدم تعطيل المرافق العمومية في أداء خدماتها؟ لماذا لم يعتصم المعطلون أمام بلدية گلميمة أو الجماعات الأخرى التي تتوفر على ميزانيات؟ لماذا لم يستعمل باشا مدينة گلميمة اختصاصاته القضائية باعتباره ضابطا للشرطة القضائية لإعادة المرفق العمومي إلى حالته العادية؟ من هي الجهة التي تمول حركة التحدي لتبقى صامدة في اعتصامها المفتوح؟ ما هي نوعية الخلافات الإيديولوجية والسياسية التي تخترقها إلى درجة أن هناك انسحابات متوالية بها؟ هل كل أعضاء المجموعة مقتنعون بالاعتصام أم أن هناك ضغوطا يمارسها البعض ضد البعض داخل المجموعة؟ هل من حق السلطات العمومية أن تبقى مكتوفة الأيدي، لاعتبارات سياسية أو أمنية، و مصالح المواطنين تتعرض للضياع وأهم مبدأ في تنظيم المرافق العمومية وهو سير المرافق العامة بانتظام واطراد يتعرض للانتهاك أمامها؟ ماذا لو اتفق موظفو الباشوية أو موظفو المركب الإداري عن التوقف المدبر عن العمل بدون اعتصام للمعطلين، ألن يتم اللجوء إلى المتابعات التأديبية ضد هؤلاء الموظفين؟ ألا يعتبر هؤلاء الموظفون في وضعية إضراب مقنع؟ ماذا لو نظم المواطنون مسيرة احتجاجية ضد السلطات العمومية للاحتجاج على عدم ضمان سير المرفق العمومي في أداء خدماته؟ لا يجب إذن للمطالبة بالحق في الشغل أن تتحول إلى أداة لانتهاك حقوق المواطنين وحرمانهم من خدمات المرافق العمومية، كذلك لا يجب لهاته المطالبة أن تتحول إلى عرقلة لحرية العمل، والاحتجاج إنما يكون في الشارع العام وليس داخل فضاءات الإدارات العمومية. كذلك لا يجب أن ننسى أن المناضلين الحقيقيين يدافعون عن حقوق المواطنين على عكس معطلي مجموعة التحدي الذين أصبحت مصالح المواطنين عندهم مطية نضالية وكأنهم يستعملون المواطنين كدروع بشرية من أجل انتزاع حقهم في الشغل. كذلك ليس من حق السلطات العمومية تحت أي مسوغ سياسي أو أمني عدم تطبيق القانون لأنه لو عرقل المعطلون عملية التصويت يوم الاستفتاء الأخير على الدستور لكان لتلك السلطات تصرف آخر. فهل تنتظر السلطات العمومية احتجاجا للمواطنين لتحرير المرافق العمومية من الاحتجاز كذلك الاحتجاج الذي نطمه المجتمع المدني بالرشيدية أمام العمالة لتحرير مرآب بلدية الرشيدية من اعتصام العمال العرضيين والذي تم بالفعل لدخول النيابة العامة على الخط؟
وحتى لا نسقط في الشعبوية وتقديس الحركات الاحتجاجية فإن المجتمع المدني بگلميمة مطالب بالتدخل لوضع حد لإغلاق المرافق العمومية، خصوصا وأن هناك تساؤلات حول دور هذا المجتمع في حل هذا المشكل. وإذا بقي الوضع على ما هو عليه فلنصل صلاة الجنازة على هذا المجتمع المدني كما صلى المعطلون صلاة الجنازة على حكومة عباس الفاسي.