اهتز الرأي العام بالرشيدية، أخيرا، لحادثة مروعة تمثلت في محاولة قتل تعرض لها الطفل بدر م. ع. ( 1998بالرشيدية، تلميذ) الذي كان مارا رفقة والدته، وسط المدينة، قرب سوق الوادي الأحمر، حين هجم عليه أحد المختلين عقليا، (عبد العالي م. 1983 بالرشيدية) وكان في حالة هستيرية، وانتزعه من يد والدته، وأسقطه أرضا، وشرع في ذبحه، بسكين كان يحملها معه، وكاد يزهق روحه لولا تدخل بعض المواطنين، الذين أوقفوا الجاني بعدما انتزعوا الطفل من بين مخالبه، ونقلوه على وجه السرعة إلى المستشفى، حيث تم رتق الجرح الذي أصيب به بحوالي ثلاثين غرزة. وجاء هذا الحادث، الموضوع ملفه، راهنا، بين يدي قاضي التحقيق، ليكشف بعض المخاطر المحدقة بالحياة اليومية للمواطنين بهذه الربوع، وليذكر بحوادث مأساوية ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء كل ذنبهم أن القدر كان وضعهم في طريق أشخاص مختلين يجوبون شوارع المدينة وأزقتها بكامل الحرية، رغم ما يشكلونه من خطر على أمن المواطنين وسلامتهم، ومن هؤلاء مواطن كان لقي حتفه منذ سنتين بعد أن قذفته سيدة مختلة بحجر فأردته قتيلا، وهي ما تزال إلى الآن نزيلة بسجن توشكة بالرشيدية، إضافة إلى المعتقل المختل، الذي انتحر، السنة الماضية، في السجن، بعدما كان متابعا من أجل "القتل العمد باستعمال السلاح الأبيض"، وذلك، بعدما ارتكب جناية قتل في حق سيدة عجوز بالشارع العام، مرددا أنه تخيلها آتية لمهاجمته والاعتداء عليه، رفقة رجلين آخرين، فدافع عن نفسه، وقتلها... كما جاء هذا الحادث ليعيد فتح ملف عشرات المرضى النفسيين والعقليين والمشردين، وجلهم شباب ضحايا تعاطي المخدرات، يجوبون شوارع الرشيدية وأزقتها وأسواقها ومختلف فضاءاتها، مشكلين تهديدا لأمن المواطنين وسلامتهم، ناشرين الرعب بينهم، مبتزين إياهم حينا، ومعتدين على سلامتهم الجسدية وممتلكاتهم أحيانا، علاوة على تعري بعضهم وقيامهم بحركات وأفعال مخلة بالحياء العام... هذا ناهيك عن عشرات الأسر التي تكابد في صمت من أجل إيواء أبنائها المرضى في البيت للحيلولة دون تشردهم في الشارع العام... وللإشارة، فإن أغلب هؤلاء المشردين والمختلين، وضمنهم أسر وقاصرون، يوجدون في حالة بئيسة، لا إنسانية، يرثى لها، إذ وجوههم شاحبة، وأسمالهم رثة بالية تثير الاشمئزاز، وهؤلاء هم من يكون في استقبال ضيوف المدينة وزوارها، إذ يتخذون من المحطة الطرقية والأزقة المجاورة لها فضاء للمبيت وقضاء الليل، مفترشين الأرض، أو قطعا من الكارطون، وملتحفين السماء، رغم البرد القارس هذه الأيام، مقدمين صورة سلبية عن المسؤولين الذين وكلت إليهم مهمة تدبير الشأن العام بهذه الربوع. والمثير، حسب أحد الحقوقيين، هو أن السلطات المحلية تتعاطى سلبيا مع هذا الملف، بدليل أنها لم تحرك ساكنا عقب الحادث، ولم تقم بأية مبادرة لإيجاد الحل الملائم لوضعية هؤلاء الأشخاص الذين يتجولون بكل حرية داخل المدينة، بحمايتهم وتيسير حصولهم على العلاج والإيواء، وأيضا بالعمل على وقف الأخطار والتهديدات التي يشكلونها على أمن وسلامة المواطنين. من جهته، اعتبر أحد المسؤولين أن السلطة المحلية عاجزة عن التحرك بمفردها في هذا الملف، سيما أن المدينة لا تتوفر على مستشفى مختص ولا على خيرية أو مركز اجتماعي يمكنه استقبال هؤلاء المشردين والمختلين، وأن المسؤولية بالتالي مشتركة، وينبغي أن تضطلع بها عدة أطراف، منها المجلس البلدي ومندوبية الصحة والتعاون الوطني وفعاليات المجتمع المدني... وأفادت مصادر صحية أن المرضى وحدهم من اختصاص مندوبية الصحة، ومع ذلك، فعينها بصيرة، ويدها قصيرة، خصوصا أن مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، مازال في طور البناء، ما فرض استمرار العمل بقسم بمستشفى الاختصاصات (حمان الفطواكي) طاقته الاستيعابية لا تتجاوز 35 سريرا، هذا فضلا عن انعدام الأطباء الاختصاصيين، وقلة الموارد البشرية والدواء، وعدم توفر قسم للمستعجلات، ونقص التجهيزات واهترائها، وعدم تحفيز العاملين أو استفادتهم من دورات تكوينية... وهذا، حسب مصادرنا، ما جعل المندوبية عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى النفسيين بالإقليم، مضيفا أن كل زيادة في عددهم، كما يحدث خلال الحملات الموسمية والزيارات الملكية، تتم على حساب نوعية الخدمات المقدمة لهم... هذا علاوة، حسب المصدر نفسه، على أن المسؤولين على هذا القسم لا يستطيعون تسريح العديد من المرضى ممن تماثلوا للشفاء، سيما النساء اللواتي لا أهل لهن، أو اللواتي ترفض أسرهن استقبالهن، لأن المدينة لا تتوفر على خيرية تستقبل من تحسنت أحوالهم، واستقرت أوضاعهم، والعاجزين ممن لا مأوى لهم... وحسب فعاليات مدنية، فإن هذا القسم بمثابة نقطة سوداء إلى درجة أن البعض يقارنه بمعتقل، بسبب ما يلقاه المرضى من سوء استقبال ومعاملة وصلت، خلال السنوات القليلة الماضية، حد اغتصاب المريضاتḷ
من جهتهم، تساءل بعض المواطنين عن سبب عدم تحرك الرأي العام المحلي للمطالبة بفتح هذا الملف، وعن سر عدم تحرك مشاعر المحسوبين على المجتمع المدني، وعدم عطفهم على هؤلاء الضحايا، وتبني ملفهم، للمساهمة في التخفيف من معاناتهم ولو في إطار برامج التنمية البشرية المكذوب عليها. واعتبر أحد المنتخبين أن ظاهرة المرضى المشردين دليل على فشل السياسات الحكومية بالبلاد، وخصوصا منها السياسة الصحية والاجتماعية المتبعة، التي ضاعفت المشاكل عوض حلها، وفاقمت، حسبه، معاناة هذه الفئات الهشة في المجتمع التي ما فتئت تتسع بسبب ظروف الحياة الصعبة... وأفاد أحد المسؤولين أن الحد من هذه الظاهرة ممكن على المديين المتوسط والبعيد، شريطة اعتماد مقاربة صحية اجتماعية مندمجة ينخرط فيها كل المعنيين من سلطات محلية ومنتخبة ومصالح خارجية (الصحة والتعاون الوطني والتضامن والأسرة...) ومجتمع مدني، ما سيمكن من توفير مستشفى مختص بالأطر والتجهيزات اللازمة، يضمن العلاج الضروري، ومركز اجتماعي تتوفر فيه شروط الحياة الكريمة، يساهم في الحد من افتراش الطرقات، وتمكين هذه الفئات من العيش في ظروف حسنة. وفي انتظار هذا الحل الذي اعتبره صاحبه "جذريا" اقترح أحد الفاعلين حلا "مؤقتا" يتمثل في تجهيز دار الطالب المغلقة منذ سنوات، واستغلالها، بعيدا عن كل توظيف سياسوي كما هو الحال الآن، في إيواء المشردين والمرضى الذين هم في وضعية مستقرة، بعد مغادرتهم المستشفى، سيما أنه تم ترميمها وإصلاحها، أخيرا، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، دون أن تفتح أبوابها أو تتم الاستفادة من خدماتها.
علي بنساعود (عن جريدة الصباح، الخميس 30 دجنبر 2010)