* كشفت برقية "سرية" للسفير الأمريكي الأسبق بالجزائر روبارت فورد بعث بها للبيت الأبيض في 22 فيفري 2008 تحمل عنوان "بلد غير سعيد" عن الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يعيشها المواطنون الجزائريون، والتي يؤكد فيها أن نسبة كبيرة من الشباب يعانون من البطالة وعدم الحصول على شغل، إلى جانب حدة أزمة السكن، وانتقد التقرير تجاهل الطبقة السياسية في نقاشاتها الجانب الاجتماعي للسكان وانشغالهم فقط بالعهدة الثالثة للرئيس ومسألة تغيير الدستور، وعرج تقرير السفير الأمريكي ، على ظاهرة "الحراقة" التي وصفها بالجديدة نسبيا على المجتمع الجزائري . وبين التقرير أن الوضعية الاقتصادية والمالية للجزائر جد مريحة وقال أن الجزائر "غنية كما لم تكن في السابق" بحيث سجل قطاع المحروقات أرقاما قياسية من مداخيل الصادرات والتي قدرها ب 70 مليار دولار خلال سنة 2007، في حين لم تتعد نسبة الواردات 45 مليار دولار مما سمح للحكومة تسجيل احتياطات صرف تقدر ب 110 مليار دولار، وأكد أن هذه البحبوحة المالية لم تنعكس على الوضع الاجتماعي للسكان مما أدى - حسب التقرير - إلى تشكيك الجزائريين في مصداقية حكومتهم، ولم يغض تقرير السفارة الأمريكية الطرف عن "الفساد" والنهب المنضم لثروات البلاد والرشوة التي تعشش في الإدارة المركزية ويعرقل الاستثمارات وانجاز المشاريع وإتمامها، وأن الحكومة غير قادرة على التعامل مع هذه المشاكل التنظيمية، والتي أرجعها إلى نقص في الرؤى كما كشفت الوثائق التي نشرها موقع " وكيليكس" عن الممارسات والمناورات السائدة في الجزائر والناتجة بالخصوص عن هيمنة الأجهزة الأمنية والعسكرية على مختلف أوجه الحياة في هذا البلد. فمن السياسة إلى الاقتصاد قدمت وثائق وكيليكس صورة " قاتمة " عن الوضع في الجزائر حيث يتم استغلال المشاكل لتبرير الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان وحيث يتم استغلال مداخيل الغاز الطبيعي من طرف حفنة من المسؤولين في وقت يعيش فيه باقي السكان "التهميش السياسي والإقصاء الاجتماعي ". + بلد " حزين" على وشك الانحراف + وتكشف هذه الوثائق على أن قضايا السياسة و الإصلاح الدستوري ، التي تهدف إلى خدمة النخبة الحاكمة، وحدها تستولي على اهتمام النظام الجزائري الذي لا يلتفت إلى المشاكل السوسيو اقتصادية التي تكبل أغلبية الساكنة الجزائرية .
وتحدثت وثائق وكيليكس عن مؤشرات " واضحة" تبرز مدى "الشقاء" الذي يعيش فيه السكان. فالعجز الاجتماعي الخطير ، والمشاكل الاقتصادية ومنها ارتفاع أسعار المواد الغذائية ،أدت إلى شن إضرابات بوتيرة شبه أسبوعية في العديد من القطاعات والأنشطة ، منها التعليم، وتنظيم مظاهرات بشكل شبه يومي ضد المسؤولين المحليين في المناطق المعزولة. و قد أدى هذا الوضع الاجتماعي المزري إلى عزوف الساكنة الجزائرية عن الانخراط في الحاية السياسية ، تضيف هذه الوثائق التي تذكر في هذا السياق بأن "نسبة المشاركة في الانتخابات الجزائرية التشريعية والمحلية لسنة 2007 بلغت أدنى مستوى لها ، لأن الشباب الجزائري يعتبر أن حكامه في واد ومشاكل البلاد في واد آخر" . وتؤكد هذه الوثائق أن " الأغلبية داخل النخبة السياسية والاجتماعية الجزائرية تشعر بأن الجزائر بدأت تنحرف عن الطريق.
وأوضحت هذه الوثائق أن " الحكومة الجزائرية تبدو عاجزة عن حل المشاكل الهيكلية " ومنها البيروقراطية والمركزية الشديدة، والتي تحد من الاستثمارات الخاصة ، مؤكدة بأن " هذا العجز يجد تفسيره في غياب رؤية واضحة " على مستوى الدولة الجزائرية. +السخط الاجتماعي، أرض خصبة لتنظيم القاعدة + وأكدت وثائق وكيليكس من جهة أخرى أن الجزائر توفر لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أرضية خصبة لتجنيد عناصر جديدة ،معبرة عن مخاوف بخصوص المصالح الغربية في الجزائر ذلك أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجه ضربة قاسية لمخطط العفو الذي اقترحته الحكومة الجزائرية . وأكدت أن "موقف الحكومة الجزائرية أصبح ضعيفا في النقاشات الداخلية مع صقور الأجهزة الأمنية" مشيرة في السياق نفسه إلى أن مصداقية هذه الأجهزة نفسها تراجعت لدى الجزائريين كما لدى الجالية الغربية في الجزائر. وكشفت الوثائق أن الهجوم الذي استهدف في دجنبر 2007 مقرات الأممالمتحدةبالجزائر أحرج الحكومة الجزائرية.
وجاء في تقرير أن سجل الجزائر في حقوق الانسان لا يزال ضعيفا، بل تدهور في بعض المجالات مثل حرية الصحافة وأشار التقرير إلى مشكلات قائمة حول ممارسات تنتهك حقوق الإنسان مثل الاعتقالات التعسفية والحبس الانفرادي للأشخاص لفترات طويلة والاستخدام المفرط للقوة واستمرار حالة الطوارئ وقال التقرير إن الحكومة الجزائرية تواصل تقييد حرية التعبير والصحافة والاجتماع، كما أن ثمة استخداما متزايدا لقوانين مكافحة الارهاب .
وفيما انتقد التقرير سلبية التعامل مع قضايا "المفقودين" واتهم السلطة بالسطو على مقدرات الشعب وتهميشه وأبرز السفير عدة أوجه لانتهاك حقوق الإنسان بالجزائر، وتطرق إلى حالة الطوارئ السائدة في البلاد منذ العام 1992، واعتبر ذلك "انزلاقا نحو فرض حالة الحصار عن طريق قرار غير منشور وتابع بقوله إن "حالة الطوارئ سمحت ميدانيا بفتح تسعة معسكرات اعتقال في الصحراء، حيث تم الزج داخلها بقرابة 18 ألفا من مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (حزب إسلامي محظور).
* ومن جهة أخرى، ذكر التقرير أن الحكومة الجزائرية تمكنت من تفكيك عدة خلايا تجنيد مقاتلين جزائريين للمشاركة في العراق، والتزامها بمنع المقاتلين بالالتحاق بالعراق، واعترف السفير الأمريكي السابق بالجزائر ريتشارد إيردمان في تقريره للبيت الأبيض والمصنف تحت خانة "سري للغاية" وأوصى بعدم تسريب محتواه، بفعالية ونجاعة العمل الاستخباراتي للأجهزة الأمنية الجزائرية التي نجحت في توقيف بين شهري دسيمبر2005 وجانفي 2006 ما لا يقل عن 10 جزائريين كانوا بصدد التحضير للالتحاق بالجماعات المسلحة بالعراق، رغم نجاح 64 جزائريا في الالتحاق بالقاعدة بالعراق بين سنتي 2006 و2007، وأشاد تقرير السفير بتجاوب مصالح الأمن الجزائرية وتقاسمها للمعلومات مع مصالح السفارة الأمريكية، وأضاف التقرير أن الجزائر تتحكم جيدا في الأمن داخل المطارات بفضل التدابير والإجراءات المتخذة لمنع المجندين من السفر إلى العراق، واعتمد السفير في تقريره على تصريحات وأقوال مسؤولين سامين في الدولة بينهم المستشار الأمني لرئيس الجمهورية عبد الرزاق كمال بارة، الذي أكد أن الجزائر اتخذت إجراءات صارمة لتجفيف المنابع المالية للمجندين والمستعملة في تنظيم الرحلات إلى العراق، كما أشار التقرير أنه بالرغم من الإجراءات المتخذة وتحكم الأمن الجزائري في مكافحة الإرهاب، إلا أن هناك مصادر خارجة عن سيطرتها والمتمثلة في الانترنت وبعض القنوات الفضائية، التي تحرض على الجهاد في العراق، وأضاف التقرير أن الجزائر تجنبت تكرار سيناريو المجاهدين الأفغان الذين سافروا خلال الحرب الأفغانية على السوفيات، وعادوا للجزائر، أين أصبحوا جنودا مشاة للجماعات الإرهابية خلال التسعينيات. * وأكدت التقارير السرية الخاصة بالدبلوماسية الأمريكية المسربة من طرف موقع ويكيليكس أن السفارة الأمريكية أبلغت البيت الأبيض بكره الشارع الجزائري ومقته للدولة العبرية وكل ما هو صهيوني، وهو نفس الموقف الذي يتقاسمه كل من الشعب والحكومة الجزائرية الرافضة لأي نوع من أنواع التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما أضافت التقارير ان المسؤولين بالجزائر مقتنعون بعدم جدوى الجامعة العربية، وأن حل أزمة الشرق الأوسط لا يكون إلا بمساهمة كل من سوريا وحركة المقاومة الإسلامية بفلسطين حماس، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، إلى جانب تعاطف الموقف الرسمي الجزائري مع كل من حزب الله بلبنان وحماس واعتبارها حركات تحررية، أما بخصوص القضية الصحراوية فلم يختلف ما جاءت به التقارير الأمريكية عن الخطاب الرسمي الجزائري بحيث تؤكد بأن الحكومة تعمل على تسوية القضية عن طريق الاستفتاء حول تقرير المصير وهو الطرح الأممي، واعتبرتها قضية تحررية وقضية مبدأ، موضحة أن الحكومة لا تريد زعزعة استقرار المغرب ولا الدخول في حرب مع الجارة، عكس ما تشير اليه تقارير السفارة والهيآت الامريكية بالرباط، الى ان الانشغال الكبير الثاني للجيش المغربي بعد البوليزاريو يتعلق بالجزائر ويعتبرها "العدو اللدود"، و حسب الوئائق الأمريكية، فإن الجيش المغربي له "مخطط استعجالي" ويقوم بمناورات عسكرية لمواجهة أي هجوم محتمل من الجزائر .