خذوني ...خذوني ...فحضن أمي لم يعد يستوعبني، كثرنا قيل لي ، وقيل بأن حليب أمي وقمح أمي والماء النازل من سماء ربي أشياء لم تعد تكفي ..خذوني ..فلملمت أشيائي ، وحملت حلمي وصورة أمي في عنقي وقلت : البحر أرحم.. _ اركب ؛ قال وكان الآخرون قد سبقوني. فسكبت روحي في كفه ، وانطلق بنا يمخر عباب الدجى ... خامرني الشك، فقلت في نفسي :أبهذا الشيء؟ فصاح وكأنه علم يدور في ذهني :_لاتخافوا ، البحر صديقي ، وعيون الليل أغمضناها خلال النهار، والوصول سيكون عند الفجر. نظرت حولي ، أصدقائي منكمشون لم يعيرواما قيل أي اهتمام ، فشعرت بالخوف وقلت في نفسي :متى يطلع الفجر؟ فجاءني صوت حزين من داخلي يقول:بعيد ...بعيد...بعيد... ظلام فوق ظلام والخوف سيد المكان والزمان، ورذاذ الماءالمالح يلفح وجهي ليشعرني بأنني ما زلت أحلم، وتمنيت لحظتها أن تتعطل كل حواسي ، فلا أسمع ولا أرى ولاأحس ، أن يصيبني الهبل ،فلا أذكر شيئا مما فات ، ولاأهتم بما سياتي ، وتذكرت (عينوص) أبله قريتنا الذي كان يتمرغ في التراب وعندما يقوم، يصيح :أنا الآن فاعل مرفوع . وكنا ندور حوله ونساله :و أين المفعول به ؟ فيصيح وهو يرقص ويضرب كفا بكف:أنتم ... أنتم ... ولم أشعر إلا وأنا أقوم من مكاني وأصيح بأعلى صوتي أنا مفعول به أنا..فصفعني أحدهم، وخاطبني :أقعد في مكانك ولا تتحرك وإلا رميناك في البحر. انكمشت في مكاني، حاولت أن أبكي فتذكرت أبي عند موته وهو يوصيني قائلا :_ كن رجلا يابني ... ولما بدأت أبكي ورأى دموعي ؛أضاف : الرجال لايبكون ... - بل أريد الآن أن أبكي يا أبي ، أنا لست رجلا ، أنا بهيمة آكل و أنام ، وأقود الآن نفسي للذبح . وفجاة أضيئت الدنيا من حولنا ، ظننت أن النهار قد طلع ، فقمت من مكاني و قد شعرت بالآخرين قد قاموا ،لم يطلع النهار ، كانت أضواء كاشفة مسلطة علينا ، وصاح صاحب المركب : اقفزوا...اقفزوا.. وقفت حائرا ؛فقال لي أحدهم :اقفز، اقفز ، كن رجلا... لعنته في نفسي وقفزت ثم سبحت وسبحت إلى أن بدأ الماء المالح ينساب في حلقي ...