افتتحت السلطات المغربية شهر رمضان هذا العام بإطلاق حملة تفتيشية ضد الرشوة في صفوف جهاز الدرك الملكي المكلف بالأمن في المدار (النطاق) القروي. ورأى البعض أن هذه الحملة طالع خير مع قدوم الشهر الفضيل، بينما رآها آخرون "ردة فعل قاصرة" هدفها "قطع الطريق" على المواطنين الذين اعتادوا مؤخرا "قنص" لقطات لرجال من الدرك متلبسين بتلقي رشاوى من سائقي الشاحنات. وأعلن جهاز الدرك الملكي عن تدشين حملة تفتيش ضد الرشوة في صفوف عناصره وأعضائه؛ حيث أمر القائد العام للدرك الملكي الجنرال "حسني بن سليمان" كبار معاونيه في القيادة العليا بتوجيه تعليمات صارمة إلى "مصلحة التفتيش والمراقبة المركزية" لترصد كل مظاهر الرشوة وابتزاز المواطنين من قبل أفراد الدرك. وذكرت يومية "الصحراء المغربية"، المقربة من الدوائر الرسمية، أن مصلحة التفتيش والمراقبة، وضعت خطة لتنفيذ الحملة، تعتمد على عنصر المباغتة ونصب الكمائن في مختلف النقط "السوداء"، التي تعرف سقوط منتسبين إلى سلك الدرك في مخالفات مهنية خلال مباشرة مهامهم اليومية، وفقا لشكاوى قدمها مواطنون. وتتمتع مصلحة التفتيش والمراقبة بصلاحيات واسعة في حالة ضبط أحد عناصر الدرك الملكي متلبسا بتلقي الرشوة، من بينها تجريد الدركي المتهم من سلاحه وزيه الرسمي، وتصفيده في موقع تلقيه الرشوة، مهما كانت رتبته، قبل تقديمه للعدالة. وتستعمل الفرق التابعة لمصلحة التفتيش سيارات خاصة، للانتقال على الطرق ومتابعة عمل رجال الدرك المكلفين بتنظيم السير، ومراقبة عملية تحرير المخالفات أو التجاوزات، التي يمكن ارتكابها. ويعتبر جهاز الدرك الملكي من الأجهزة الأمنية الرئيسية بالمملكة، ويحصر دوره في الحفاظ على الأمن ومراقبة الطرق خارج المدار الحضري، وذلك في الوقت الذي يتكفل فيه جهاز "الأمن الوطني" بمهام الأمن وسط المدن. استحسان وإنتقاد ولقيت هذه الحملة المتزامنة مع شهر رمضان الذي يزداد فيه إقبال المسلمين على فضائل الخير وتجنب المعاصي كالرشوة والفساد المالي بكل أنواعه استحسانا من لدن مواطنين ومهتمين بهذا الشأن. في المقابل رأى آخرون أن الحملة التفتيش "لا تعدو رد فعل سلبيا لمواجهة ظاهرة (قناصي رجال الدرك) التي تزايدت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة"؛ حيث يقدم مجموعة من الشباب في مدن مختلفة من المملكة على تصوير رجال الدرك وهم يبتزون السائقين مقابل تركهم يواصلون سيرهم، وينشرون تلك اللقطات عبر المواقع الإلكترونية العالمية. وأطلق هذه الآلية، التي تستفيد من التطور التقني والتكنولوجي، في محاربة الرشوة مواطن مغربي غير معروف يطلق على نفسه "قناص تارجيست" نسبة إلى بلدة هامشية صغيرة تقع شمال المغرب، وبث هذا المواطن خمسة أشرطة فيديو في مواقع اليوتيوب وغيرها، ثم ما لبث أن لحق به مواطنون آخرون اشتهر منهم "قناص سيدي إفني" الذي بث شريطين آخرهما في مارس الماضي. وسجل الكثيرون على السلطات المغربية أنه في الحالات التي بث فيها "القناصة" أشرطة تكشف الفساد المتفشي بين كثير من رجال الدرك، اشتغل مسئولو الجهاز بمتابعة وترصد المواطنين الذين التقطوا هذه المشاهد من خلال الاعتقالات والاستنطاقات للمشتبه بهم أكثر من متابعة ومقاضاة المرتشين من عناصر الدرك الملكي ومحاربة هذه الآفة. وسبق للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أن شجعت هذا العمل، ورأت أن مبادرة "قناص تارجيست" تعتبر "مبادرة جيدة يجب أن تتطور وتعمم، وتفتح آفاقا لمبادرات أخرى من قبل المواطنين"، لافتة إلى أن "جهازي الأمن والقضاء يعدان من القطاعات التي تعاني من تفشي الرشوة على مستويات كبيرة فيها، وفق الدراسات الدولية التي أجريت حول المغرب". وقالت الجمعية في تصريحات إعلامية سابقة إن "ظاهرة الإفلات من العقاب أصبحت متفشية في القضايا المتعلقة بالرشوة، وعادة ما تتم معاقبة (الأسماك الصغيرة) والتغاضي عن ذوي المراتب العليا، أو الذين تتداخل مواقعهم مع مسئولين في الدولة". (إسلام أون لاين)