لعل أي دارس للحركة الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية بالقصر الكبير خلال المنتصف الأول من القرن الماضي وما بعده بسنوات ،سيقف لا محالة على اسم يتردد أكثر من مرة ، وفي كثير من الأحداث و المواقع إلى جانب أسماء أخرى لها نفس الاسم اللقب … "محمد المهدي الطود الحسني " يختصر الاسم إلى "السي المهدي الطود " نجد اسمه إلى جانب كل من الغالي الطود وإدريس الطود وعبد السلام الطود ضمن الأسماء المؤسسة لفرع حزب الإصلاح الوطني بالقصر الكبير سنة 1937حسب الوثيقة المنشورة بكتاب القصر الكبير صور تحكي ص 325الصادر عن جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير ، نجد الاسم حينما يتم الحديث عن الحركة التعليمية بالمدينة ، يرد الاسم حينما يتم الحديث كذلك عن الحركة الأدبية ويلمع الاسم مرة أخرى حينما يتم الحديث عن السماع والمديح وعن فن طرب الآلة ،وتناقلت الروايات والعديد من الشهادات عن أفراد الأسرة الذين لم يهاد نوا الاستعمار ولا أذنابه ، بل شكلوا دوما شوكة في حلقه ، إما بالاحتجاج المباشر أو بالكتابة في الصحف التي كانت تصدربالشمال دفاعا عن القيم الوطنية والإسلامية .، تعرض العديد من أفراد أسرته للاختطاف والإرهاب ، والتصفية الجسدية غداة استقلال المغرب لارتباط الأسرة بعلاقة بالزعيم عبد الكريم الخطابي وموقفها الصريح من اتفاقيات اكس ليبان ومعارضتها الصريحة لمحاولة فرض الحزب الوحيد ومسلكيات جيش التحرير . هو محمد المهدي بن عبد الكبير بن عبد السلام بن الطاهر بن الطيب الطود الحسني ، ولد بمنزل والده بحي القطانين القصر الكبير سنة 1913 بالمدينة العتيقة ، تلقى تعليمه الأولي بمسيد سيدي علي بن العربي على يد شيخه الفقيه احمد بن الغاليبن حمان الطود ثم على يد المرحوم عبد السلام بن الغالي بن حمان الطود وهو اخ للفقيه الاول هذا الاخير يسهم في رسم ملامح شخصية مترجمنا المرحوم محمد المهدي الطود لما تميز به من اتقان للتجويد وهو المذكور في مخطوط لشقيقه المرحوم الحاج عبد القادر الطود الحسني سماه"نظم الدرر والعقيان في ترجمة شيخي سيدي عبد السلام بن الغالي الطود الشهير بابن حمان" يقول فيه عن شيخه (ومما كان يزيده إكبارا في أعماقي ما كنت أسمعه من أسماء المتخرجين عنه في حفظ القرآن الكرم وإتقان تجويده، سواء من أشقائي وأبناء عمومتي وجيراني، أو من سائر الشخصيات التي كان لها وزنها الثقافي والاجتماعي وقتئذ) حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وتفرغ لحفظ المتون وفي نفس الوقت مساعدا لشيخه ،بعدها انتقل للدراسة على يد شيوخ ، منهم عمه ا لمرحوم احمد بن عبد السلام الطود الحسني وابن عمه محمد بن عبد القادر الطود الحسني وفقهاء آخرون نذكر منهم الشريف علي المجول واحمد بن الطاهر الزواق وغيرهم من العلماء . في سن الخامسة عشر من العمر التحق بجامع القرويين ، وسكن مع ابن عمه المرحوم الغالي الطود الحسني بمدرسة العطارين ، من مشايخه عباس البناي والحسن الزرهوني وعبد الرحمان بن القرشي وغيرهم حيث بلغ عدد مشايخه سبعة عشر ، بالقروين يحتك برواد النهضة الوطنية ويتردد على شيوخ السماع والمديح وحلقات الذكر ، كما تردد على بعض الفرق المسرحية . بعد عودته إلى القصر الكبير يلتحق مباشرة بالمؤسسين لحزب الإصلاح الوطني الذي ترأس لجنته الفرعية ابن عمه المرحوم الغالي الطود ، استقطب العديد من شباب المدينة الى الحزب لقربه من الطبقات الشعبية وخطابه السياسي النافذ ، كتب المقالات التي تنتقد الأوضاع في الصحف الصادرة وقتها كجريدة "الحياة " و"الحرية " و"الريف" و"مراكش" و"الميثاق " ساهم في تأسيس جمعية الطالب المغربية والمدرسة الأهلية الحسنية الحرة بالقصر الكبير ، بحسه الإداري و التربوي كان من المع أساتذتها ومبتكر حصة "حديث الأربعاء " إذ يكلف كل أربعاء احد التلاميذ لإلقاء عرض تتم مناقشته ، أسس أول فرقة مسرحية مستفيدا من تجربته بفاس ، لم يطلق اسما على فرقته حفاظا عليها وكتب نصوصا مسرحية واقتبس أخرى ، كما ادخل التنشيط المسرحي للمدرسة ، كما ابدع نشيدا افتتاحيا للعروض المسرحية سماه نشيد النهضة مطلعه صفا الجو حان السرور ………. نهضنا بملء السرور نبيد أماني الغرور ………….. لنزري براضي الوهن بعد وفاة والده وبإلحاح من عمه يلتحق بسلك العدالة على مضض ، كان يردد (من أراد أن يسعد ، فلا يؤم ولا يشهد ،ولا يتقدم على أولاد احد ) ينتقل إلى تطوان ليشرف على مركز لإيواء اللاجئين السياسيين من المنطقة السلطانية الخاضعة للاستعمار الفرنسي بدعوة من صديقه الوطني المرحوم إبراهيم الوزاني وهو الشهيد الذي سيختطف لاحقا سنة 1956 بمعية ابن عم مترجمنا الشهيد عبد السلام الطود كل هذه الأنشطة لم تحل دون التزامه الديني ، قدم وهو شابا دروسا ومواعظ في المساجد وأم الناس وخطب بهم الجمعة تميز أسلوبه بالوضوح والسلاسة وتقريب المعاني ، اسقطبت حلقات دروسه العديد من الشباب كما أتحفهم بطريقة تجويده وبصوته الرخيم ، ونال إعجاب فقهاء وشيوخ المدينة ، كما ترأس العديد من لجان التحكيم في مسابقة تجويد القرآن الكريم والمسابقات الدينية عموما . وحين انتقل إلى العرائش سنة 1952 لمع نجمه كفقيه وعالم محدث ومقرئ ناهيك عن ولوعه بفن السماع والمديح ، كانت له ملكة موسيقية وتمكن من الأنغام وتحكم في الطبوع وقدرة على الانتقال من طبع إلى آخر وحفظه" لترسانة " من قصائد المديح والسماع بل دواوين بأكملها كديوان ابن الفارض والسشتري والبرعي والحراق بالاضافة إلى القصائد الصوفية المعروفة كالحلبيات والبغداديات ، فحضوره للمجالس إيذانا للجميع بالإصغاء ، أما قصيدتا البردة والهمزية كان يؤديهما بالطريقتين الفاسية والتطوانية بنوعيها الحراقية والريسونية، كان يدعى لكل المناسبات الدينية بالقصر الملكي أو ضريح محمد الخامس ويشرف بنفسه على تدريب المنشدين واختيرت أشعاره في العديد من المناسبات وقدمت ضمن القصائد المؤداة في حضرة الملك ، و تلبية لرغبة مؤذن مسجد بالقصر الكبير ألف قصائد خاصة تردد في الصوامع قبل آذان العشاء وقبل آذان الفجر وهو ما يسمى "بالتهليل " وهي عبارة عن ابتهالات وقفت على ثلاث قصائد منها اقتطف بعض الأبيات من كل قصيدة : * القصيدة الأولى "موعظة "كتبت سنة 1395 ه يا من تظافرت المخاطر حوله **وتجمعت ألبا عليه شرور وتعاون الملوان في إغراءه ** هذا يتم وذاك فيه يمور أغرقت نفسك في توافه حطمت **ما فيك من عظم وأنت كبير القصيدة الثانية " إقرار " كتبت 1395 ه يا من أخذت قلوب الخلق مرحمة ** باصبعيك انلها منها توفيقا ان الضعاف عن المنهاج قد صدفوا **تؤزرهم نزعات الشر تطويقا القصيدة الثالثة " توسل " نفس السنة يا لطيفا بالذي لاذ به ** وعليهما بضعيف عثر أطمعتنا رحمة سابقة ** منك تغري إذا علمنا خبرا ورأينا الجود يحيي كل من ** أحسن الصنع ومن قد اعذر احتلت الموسيقى حيزا كبيرا في حياته خصوصا طرب الآلة ، يسرد تاريخها وكيف نشأت بالأندلس ويتحدث دائما عن مكونين اثنين منها، اعتبرهما قوام الموسيقى الأندلسية: المكون الأول فهو مكون شعري، وهذا المكون يسير في اتجاهين: اتجاه أول هو الموشح واتجاه ثاني هو الزجل.أما المكون الثاني للموسيقى الأندلسية مكون نغمي إذن المكون الشعري) مع المكون النغمي (النوبة) هما اللذان أعطيا للموسيقى الأندلسية بناءها ، لقد خدم المرحوم المهدي الطود الموسيقى الأندلسية بعطاءاته ومجهوداته وأسدى لها خدمات لهذا التراث الفني الأصيل ، وكون أجيالا وأطلق عليه فقيه الطرب الأندلسي لأنه شكل مع احمد الوكيلي مدرسة قائمة بذاتها هو المجدد والرائد في هذا المضمار ،ولا تزال تسجيلاته ومداخلاته في البرامج الإذاعية ، ولا زالت بصماته على جوق الفنان احمد الوكيلي الذي التمس منه تحوير وتغيير مقاصد ومضامين بعض المقطوعات الموسيقية . أما المرحوم محمد المهدي الطود الشاعر ، هو شاعر مبدع من الشعراء الذين كتبوا القصيدة العمودية تميز بنفسه الطويل الملحمي ، تملك ناصية اللغة ، وتمكن من البحور والقوافي ، كتب في التصوف والنضال والوطنيات ،كتب المراثي والتهاني ، نظم أناشيد وطنية وأخرى توجيهية للتلاميذ منذ عهد الحماية ، بعد وفاته بذل مجهود كبير من طرف شقيقه المرحوم عبد القادر الطود وابن مترجمنا الأستاذ والصديق الطيب المعشر سيدي عبد الكبير الطود وذلك من اجل إخراج ديوان شعري ضم قصائد المرحوم "ديوان في غمرات النضال " ، ولا يمكن تناول تجربة المهدي الطود الشاعر، في بورتريه كهذا بل في حاجة إلى ندوات علمية تتناول شعره بالدرس والتمحيص ، بالمناسبة هي دعوة مفتوحة للإطارات المهتمة. شغل المرحوم مهمة إدارة المعهد الديني بالعرائش بداية سنة 1952 وهو المنصب الذي لم يسعى إليه ، قدم خدمات جليلة للمعهد واخذ بيد طلبته بالمتابعة والنصح و من الطلبة من وفر له السكن والإطعام في بيته وساهم في إرسال الطلبة إلى الدول العربية مساهما بماله الخاص، بعد الاستقلال ، تدبر ضده مكيدة لتنحيته من إدارة المعهد الديني ، عندما علم بها ، رفض استقبال وزير التعليم آنذاك محمد الفاسي لأنه أدرك خلفية الزيارة ، تقبل المكيدة محتسبا لله . ولكن الذي آلمه أن يشارك في المكيدة من أحسن إليهم ومن اخذ بيدهم ، لكن آلة الحقد والاستئصال كانت تسير في اتجاه تنحية من يخالفها الرأي محاولة بسط يدها على كل قطاعات البلاد ، وبدأت تختلق الأسباب الواهية وتلفق التهم الجاهزة لممارسة حملة الاضطهاد والتقتيل ، كانت أسرة الطود عموما مستهدفة بذلك ، لنشاط العديد من أفرادها في الحقل السياسي الوطني ، كان نشاط ابن عمه المرحوم الهاشمي الطود الذي اشتغل على أجندة تحرير المغرب العربي بقيادة الزعيم التاريخي محمد بن عبد الكريم الخطابي يضايق هؤلاء ، تعرض المرحوم لمضايقات شتى بلغت حد فرض الحصار عليه بمنزله بالعرائش ومنعه من زيارة القصر الكبير ، وتم اعتقال ابنه عبد الكبير والذي لم يكن يتجاوز الرابعة عشر من عمره في احد منازل بضيعة بطريق العرائش في رواية سردها لي سيدي عبد الكبير الطود انه اكتشف أن المشرف على الاعتقال احد الذين أحسن إليهم والده وهو من ادخله إلى خطة العدلية ودربه ، لقد وردت الضعية في التقارير التي كانت ترسل للزعيم عبد الكريم الخطابي ففي رسالة منه إلى المرحوم محمد بلحسن الوزاني يقول (وإليك بعضا من هذه المعلومات الدقيقة التي لا يتطرق إليها الشك أبدا (معلومات تحمل بين طياتها مآسي تفتت الأكباد وتذيب العقول وتشمئز منها النفوس وتقشعر منها الجلود وتحار لها العقول …. الى ان يسرد أسماء المعتقلات منها ….ودار بمدينة العرائش – كانت مكتبا لهيأة سياسية معروفة عزبة بضواحي العرائش.. لمواطن مغربي له سوابق معروفة دار معروفة كمكتب لتسيير شيء ما، بمدينة القصر الكبير عزبة في طريق القصر الكبير) في غمرة أجواء الاستقلال يتعرض المرحوم للاختطاف من وسط أسرته ومحاولة قتله لولا تدخل الألطاف اللاهية إلى أن استتبت الأمور في البلاد ، ليستدعى السي المهدي ليشارك في المناظرة الوطنية حول التعليم بالمعمورة وانتخب رئيسا لجمعية أباء وأولياء أمور تانوية سيدي حم بن عبد الله وقدم لها خدمات كبيرة مادية وأدبية وتربوية ، ارتبط بعلاقة الود والصداقة بالعديد من العلماء أسندت إليه مهمة الإشراف على فرع رابطة علماء المغرب بالعرائش باقتراح وإلحاح من المرحوم العلامة سيدي عبد الله كنون ، ساهم بتدخلاته في العديد من الندوات العلمية والدينية والفكرية التي أقيمت بالعرائش وخارجها ، عرف وفائه لشيوخه وأساتذته وأصدقاءه وكتب المراثي في حقهم ،شمل كل الأسرة بالرعاية والمحبة وامتدت إلى أبناء وبنات أخويه وأخواته وكل أبناء عمومته ، ومعارفه وجيرانه ، توفي رحمه الله بعد مرض تحمله الفقيد في أناة وصبر المؤمنين المحتسبين يوم 27 أكتوبر 1991. رحمك الله سيدي محمد المهدي الطود الحسني ، أحببت وطنك وحفرت اسمك في قلوب الناس وحفظك التاريخ في ذاكرته.