وأنا اطلع على سيرة المقاوم المرحوم الحاج محمد الجعادي ، اقرأ تاريخ الوطن وما مر به من ظلم ومآسي الشعب من فلاحين وعمال وطلبة، والتحولات الكبرى التي مر بها البلد من احتلال ومقاومة وانتفاضات وإضرابات وسجون . بدات رحلته يوم ولد سنة 1933 بمدشر العش بقبيلة آل سريف ومقاومة آهل الجبل ضد المستعمر الاسباني حديثة العهد بوضع السلاح ، نشأ في ظل أخبار المقاومة وبطولات آهل الجبل ، واستمع إلى الأغاني الجبلية التي مجدت المقاومين ، عاش وهو طفل أحداث الحرب الأهلية الاسبانية ،وشاهد العائدين منها يحملون أخبارالقتلى منهم ، ماتوا في حرب لا علاقة لهم بها ، درس بكتاب المدشر وختم القرآن الكريم والعديد من المتون والتحق بالقرويين ليزداد معرفة بالعلوم الشرعية واللغوية ، تشكل وعيه الوطني مبكرا وأدرك أن الاستعمار شر سلط على البلاد ، اتخد المقاومة سبيلا لمواجهة الاحتلال باستبداده واستعباده ،بدا يجول المداشر لينشر الوعي بين الناس ، محذرا من مغبة الاستعمار ، شكل بمعية مجموعة من أهل القبيلة خلية للمقاومة ، ضمت كل من عبد السلام عزوز من مدشر الابيار عبد الله القرقري من مدشر بئر دوار لحسن فريعن وزوجته السعدية البردعي من مدشر بني معافة الحاج عبد الله المختار الخطيب الملقب الأعرج ، الهاشمي القرقري ، وربطت هذه الخلية اتصالا بالمقاوم احمد بن المحجوب البيضاوي ، الذي لجأ إلى المنطقة الخليفية بعد الحكم عليه بالإعدام من طرف الفرنسيين ، قام بتدريب المجموعة على أساليب تهريب الأسلحة وأساليب التمويه والتخفي ، كان فندق الغزاوي مقرا لها ، اليه تحمل الأسلحة ومنه تهرب إلى المنطقة السلطانية ،هذه المجموعة التي تكفلت بتهريب السلاح عبر المنطقة الحدودية ، كان نهر لوكوس يفصل جزء من القبيلة ( أل سريف) وأصبح تابعا للمنطقة الفرنسية في التقسيم الاستعماري ، ما بين ضفتي نهر لوكوس ، نشطت الخلية في تهريب الأسلحة وهي الخبيرة بتضاريس وتشعبات المنطقة ، كان مدشر ميمونة محطة لاستقبال السلاح بإشراف المقاوم بلفاسي ، بدا اسم المرحوم الجعادي يتردد وبات مطلوبا من الاسبان والفرنسيين ، كان يجد ملاذا آمنا في مدشر بني خلاد ، كان "الخلاديون" يوفرون له الملجأ، بقي إلى آخر أيامه يحتفظ لهم بأجمل ذكرى ويثني عليهم ، في إحدى العمليات الجريئة حوصر من الضفتين ولم يجد بدا إلا الاختباء في مياه النهر متمسكا بنبتة العزف ، ظل أكثر من يوم على هذه الحالة ، انتفخت رجلاه بفعل رطوبة ماء النهر ،ذات مطاردة بمدينة القصر الكبير، لم يجد بدا من اللجوء إلى يهودي من يهود المدينة الذي خبأه لتمر الدورية التي كانت تطارده دون القبض عليه ، التحق بالتدريس ضمن طاقم المدرسة الأهلية ، قبيل الاستقلال ، وبعد الاستقلال عينه الباشا التكموتي شيخا بقبيلة آل سريف إلا أن هذه المهمة لم ترق له واستقال منها ، ويحدث له أثناء زيارة الملك محمد الخامس لمدينة القصر الكبير أن يفقد ابنته ذات السنتين و التي توفيت بفعل الازدحام في غمرة الاستقبال الحاشد للملك من طرف ساكنة المدينة وبواديها ، يعود المرحوم محمد الجعادي لممارسة مهنة التعليم ، ويختار الاصطفاف في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، لتبدأ رحلة أخرى في الحزب والنقابة الوطنية للتعليم ، ثباته على المبدأ وصلابته وعزمه ورفضه لأنصاف الحلول جعلته مهابا محترما من طرف رفاقه ، ورغم هذه الصلابة وضع إمكانياته في خدمة حزبه والنقابة ، ، منزله مقرا للاجتماعات وسيارته في تحت تصرفهما ، وبسبب مواقفه تعرض ما مرة للتهديد ، وللضغط عليه ، اعتقلت ابنته أم كلثوم الجعادي بدعوى مشاركتها في إضراب علما أنها لم تذهب إلى المدرسة يوم وقوعه .ساهم في تأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وانخرط في كل نضالاتها وإضراباتها ، تم طرده من التعليم مع مجموعة من رجال التعليم الذين نفدوا إضراب أبريل 1979 ، بعد ماسمي بالعفو الملكي، رفض العودة للتدريس ومارس التجارة ،ظل وفيا لقناعاته محافظا على روح النكتة التي تميز بها ، أبا حنونا حكيما متفتحا ، مراقبا بألم وحسرة لما آلت إليه أوضاع صرح سياسي بني بالسجون والمنافي وبالعرق والدموع ،إلى أن لقي ربه سنة 2006 رحم الله المقاوم الحاج محمد الجعادي ..