"الى عهد قريب كانت توجد قرب المستشفى المدني بالقصر الكبير مجسمة تحكي عن معركة وادي المخازن من انجاز التهامي القصري ، على أن السؤال الذي يداهمنا هو ، الا تفكر جهة ما في تكريم هذا الفنان الرائد ؟ " كان هذا هو التساؤل الذي ختم به الأستاذ محمد العربي العسري مقاله حول الفنان التهامي القصري في كتابه أعلام وأقلام الجزء الثالث صفحة 460 بعد رحيله ينتبه الوسط الفني انه فقد رائدا من رواد النحث التشخيصي وفاء من الفنان يوسف سعدون لهاته القامة الفنية بادر الى تحفيز مجموعة من التشكليين بتطوان لتثمر المبادرة تنيظم معهد الفنون الجميلة ، بشراكة مع "جمعية الرباحي /مغارة" معرضا للفنان الراحل، ضم مجموعة من أعماله الفنية، وذلك في الفترة من 17 إلى 30 نونبر 2017، برواق المكي مغارة. كما نظم المعهد ندوة عن تجربة التهامي الداد القصري في النحت والصباغة، إلى جانب معرض جماعي بمشاركة فنانين مغاربة وإسبان. ولم يتردد كعادته الصديق يوسف سعدون الذي وافاني بالشهادة التالية في حق الفنان التهامي الداد القصري التهامي الداد (القصري) الرائد الذي لم ينل منه التهميش. رجل بقامة فنية كبيرة،أول نحات أكاديمي بالمغرب،وأول مدرس لهذه المادة بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان منذ سنة 1958.ومن الأوائل الذين حصلوا على دبلوم التخرج من هذه المدرسة والذين التحقوا بإسبانيا وبالضبط بالمدرسة العليا للفنون الجميلة سانطا إزابيل دي هنغريا بإشبيلية، رجل بهذا الحجم الإبداعي،لو كان له اختيار آخر كبديل لوفائه عن الوطن والعودة إليه،لكان من كبار الفنانين العالميين، لم تنل منه رحمه الله إغراءات إسبانيا التي عشقها ونسج بها علاقات إنسانية سامية واحتل فيها مكانة فنية مرموقة،ورسم بها أجمل صور الاندماج حتى أنه اقتحم مجالات فنية أخرى وبرز بها بجانب كبار فناني إسبانيا.حيث لمع في فن الفلامنكو وغنى ببعض المسارح هناك وفاز بالمرتبة الثانية في مسابقة وطنية نظمتها الإذاعة الإسبانية بإشبيليا سنة 1954. رجل بهذه المؤهلات.ظل وفيا لمدينته الأصلية القصر الكبير التي ولد بها سنة 1932،وكان يفتخر بلقبه التهامي القصري الذي كان معروفا به ،وبهذه المدينة بدأ مشواره الدراسي عبر التعليم العتيق ثم مدرسة سيدي بواحمد لينتقل بعدها لتطوان حيث درس بالمعهد الرسمي آنذاك،(ثانوية القاضي عياد حاليا)ليغير مساره الدراسي جذريا حيث اختار المجال الفني بعدما التحق بمرسة الفنون الجميلة. رجل بعطائه الفني الكبير سواء من خلال مساره الإبداعي أو مساره المهني/التربوي،لم ينل حقه من الاعتراف..بل قوبل بجحود رسمي رغم قيمته الكبيرة..وكان رحمه الله لا يظهر معاناته من هذا الجحود بل ظل كبيرا ومتشبثا بكبرياء الفنان الذي يسكنه.حتى أن وضعيته الإدارية في إطاره المهني لم تعرف تحسنا يذكر حيث جمدت في درجة لم يكن لمردودها أن يوفر له ظروف العيش الكريم..ورغم ذلك بقي واقفا يبحث عن مصادر أخرى للعيش من خلال لوحاته وأعماله الفنية.لكن أقبح ما عانى منه المرحوم هو الاستغلال لكفاءاته الفنية حيث تم استغلاله بطريقة بشعة في عمل إبداعي كبير لازال شاهدا على مهاراته..عمل يتمثل في إنجاز لوحة /منحوثة للمسيرة الخضراء والتي ظلت شامخة لحد الآن بتقاطع شارع الجيش الملكي وشارع عبدالخالق الطريس في واجهة المسجد الحديث الذي شيد هناك في اتجاه مدينة مرتيل. ولهذه اللوحة قصة مثيرة كل تفاصيلها تفضح أقبح صور الاستغلال حيث لم يسمح له بتوقيعها وتخليد إسمه بها.لكن الذاكرة الفنية لتطوان لازالت تحفظ له هذا الإنجاز. هذا هو الرجل:التهامي الداد(القصري)،رغم كل هذا العطاء والريادة،لم ينل حظه في حياته،حيث لم يلتفت إليه بلحظة اعتراف أو تكريم،كان كبيرا،كان فنانا،كان إنسانا ساميا،لكنه عانى من الحاجة ولم يسجل عليه أن مد يده لأحد..وفاؤه للقصر الكبير جعله يتردد عليه باستمرار ولازلت أتذكر حضوره هناك في بعض الأسابيع الثقافية خلال فترة التسعينيات. رحل عنا في السنة الفارطة بعد معاناة مع المرض.مرض قاومه بكبرياء كما كان يقاوم ظلم الحياة.. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه..