لايتعلق الأمر بأستاذنا محمد السرغيني، الباحث والشاعر الفاسي، أستاذ التعليم العالي، ونائب عميد كلية الآداب بفاس، بل بالفنان التشكيلي العرائشي الذي ازداد بالثالث والعشرين من سنة 1923. يعتبر هذا الفنان من رواد الفن التشكيلي بالمملكة.تلقى تكوينا بصريا أكاديميا قبل الاستقلال وبعده. في الثلاثينيات، بدأ مشواره الفني.درس ابتدائي بمسقطه العرائش. بعد دراسته الثانوية بتطوان، أخذ وجهته إلى اسبانيا من أجل التخصص. هناك درس الفن، وعرف التكوين التشكيلي. وبين 1941 و1949 تابع دراسته الفنية بالمدرسة العليا»سان فرناندو» بمدريدفغرناطة. تخصص في الحفر،وحصل في سنة 1950على دبلوم الاختصاص فيه، كما حصل على دبلوم أستاذ الرسم وعلى إجازة في العلوم الاجتماعية من جامعة غرناطة. قفل السرغيني عائدا الى المغرب، ليعين أستاذا للرسم بالتعليم الثانوي. وفي سنة 1956 عين مديرا لمدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان حتى سنة 1975، حيث شدت اهتمامه الصنعة التقليدية بدار الصنعة، مما جعله يعيد النظر في مفاهيمه التشكيلية. كان -يقول نجله المهدي السرغيني-يحضّ الفنانين التشكيليين على استثمار ثراء التراث والفنون التقليدية. ألّف السرغيني أعمالا فنية كثيرة بين الرسم والنحت والكرافيك... حافظ على الجانب التشخيصي منذ بدايته، واستطاع أن يمثل جيل التشخيصية الانطباعية إلى جانب كل من حسن الكلاوي ومريم أمزيان..ويعتبر الرجل في الصف الأول للرسامين الذين أجادوا البحث في تأصيل اللوحة المغربية. ربط السرغيني بين التجريد والواقع.ألحّ على رسم البيوت القديمة مع تجريد تفاصيل منها، لكن اهتمامه ظل على صلة بملمس السطح الخشن الذي يقدمه بألوان ترابية تكاد تكون موحدة، أقرب إلى لون التربة في تطوان. أبدع السرغيني بعض اللوحات التجريدية انطلاقا من الزربية التي هي عبارة عن قماش منسوج وأشكال هندسية تتوسل في ألوانها الأبيض والأسود. رسم السرغيني الوجوه والمظاهر المغربية، منفردا في تشخيصه بدراسة المكان كفضاء للوحة على أساس الحالة أو المعمار أو التاريخ. وليس المكان عنده سوى طبيعة ميتة حينا وحينا آخر تيمة وحينا ثالثا تعبير لوني ذي نكهة شمالية، وحينا رابعا توحيش شفاف. وظف في لوحاته رموزا تتصل بمظاهر الحياة العامة بالمغرب، كما ركز على الجانب الجمالي في هذه الرموز حتى أصبحت دلالاتها واضحة. صاحب السرغيني الاهتمامُ بالباب في جل مراحله الإبداعية. وقد عالجه بنوع من التجريدية ولو على سبيل تكسير الزخرف والاكتراث بالشكل مرورا باللون ولغته التي طرحت بمفهوم مغاير. وقدعكست الأبواب المتمركزة في بعض لوحات السرغيني تراثا يتعرض إلى العبث والضياع. استمر الاهتمام بالباب إلى ما بعد الثمانينيات،على أنه سيرسم خلال هذه الحقبة مناظر وموضوعات غير الباب، لكن بمفهوم آخر غير ما كان عليه في الخمسينيات أوالستينيات، من حيث التناغمُ اللوني،و ستوحد هندسة الشكل هذه المراحل الفنية. تشبّث السرغيني-يقول الفنان التشكيلي أحمد العمراني- بالفرشاة والألوان باحثا عن تجارب تشكيلية مختلفة ورائدة، جعلته -يقول الفنان مكي مغارة- على اتصال مستمر بالتشكيل المحلي والوطني وصديقا لأجياله،إذ بصماته العميقة تستعصي على المحو والتلاشي. كان أول معرض جماعي للسرغيني سنة 1941، وهو المعرض الاسباني للفنون والمهن-المكتبة العامة بتطوان. ومن بعدُ، شارك في معارض جماعية كثيرة بكل من تطوان ،البيضاء، موريطانيا، تونس،الكويت، سان فرانسيسكو، الرباط،(شارك بمعرض الفنانين المغاربة وأحرز على الجائزة الثالثة(الوداية-الرباط)، مصر( الميدالية البرونزية بمشاركته بمعرض الستين البينال الاسكندرية الثاني)، مدريد ( أحرز على أول جائزة تقديرية سنة1958). انخرط السرغيني في كثير من الجمعيات.واعتبر من مؤسسي الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية المعمورة-الرباط،ومؤسس ورئيس جمعية قدامى تلاميذ مدرسة الفنون الجميلة. سافر إلى أمريكا. أنجز دراسات حول الفنون التشكيلية والفنون التقليدية بالمغرب. انتمى إلى كثير من الجمعيات الثقافية.أدار طائفة من المدارس بعد الاستقلال كمدرسة تاغزوت ومدرسة الشاون ومدرسة الصنائع التقليدية والمدرسة الوطنية. ذكر الفنان عبد الكريم الوزاني أن السرغيني يعد رائدا في العديد من المجالات التشكيلية.عُرف أستاذا وفنانا بثقافته الفريدة وتمكنِه من لغات عديدة.. كما عرف أول مدير للمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان،التي أشرف على مغربتها وإعداد برامجها ودروسهاوانتقاء خيرة الاساتذة والمؤطرين للسهر عليها. من المعلوم أن المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان/ المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان أول مؤسسة أنشئت بالمغرب لتدريس الفنون التشكيلية والتطبيقية إبان فترة الحماية على يد الرسام الإسباني ماريانو برتوطشي، وقد أدارها إلى أن وافته المنية بمدينة تطوان . بُعيدالاستقلال،قام المغفور له محمد الخامس بتعيين محمد السرغيني مديرا إداريا وفنيا على المدرسة في طبعتها الجديدة حتى سنة1993. وافلحت في تخريج فنانين تشكيليين ساهموا بقوة في الحركة التشكيلية بالمغرب على شاكلة محمد شبعة محمد المليحي ومحمد أطاع الله القصري، وعلي نخشى القصري والتهامي الداد القصري والمكي مغارة وسعد السفاج وأحمد العمراني وعزيز أبو علي ومحمد الدريسي ورسامين أكادميين وواقعيين أمثال بن يسف والسبتي .. وجيل الثمانينات أمثال عبد الكريم الوزاني بوزيد بوعبيد مصطفى اليسفي المعطي الداودي ومصطفى بوجمعاوي ..و مريم العلج وأحمد خيري وفوزي العتيرس والشاعر ومحمد خليل وموال جابر ورشيد بن الحسين ومحمد الرايس. ولايوازي هذه المدرسة بتطوان سوى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء. كانت لمحمد السرغيني -يقول سعد بن الشفاج-آمال عريضة لاكتشاف مناطق جديدة في الفن،والعيش بعد الفراغ من انهماكاته الادارية،حياة الفنان بكل دقائقها ولحظاتها. توفي الفنان التشكيلي محمد السرغيني بداية 1991 بالرباط. ومما ياخذ عنه البعض انه كان لايفصل بين موقفه الإنساني والايديولوجي وبين عمله الفني. وحملت الدورة أبريل 2013 اسم الرائد محمد السرغيني، كما سمي رواق باسمه بدار الثقافة، إلى جانب رواق مكي مغارة ورواق عبد الله الفخار..وما انفك اسم الفنان التشكيلي محمد السرغيني محفورا في تاريخ شمال المملكة، فالرجل أسس سمعة وشنعة تعاليم المعهد الوطني للفنون التشكيلية على النموذج الإسباني إلى جانب أساتذة مغاربة نظموادورات تقنية.كان السرغيني المنطلق..وتعبدت الطريق،وأمسى الفن يعرف مسارات وآفاق أخرى. لامناص من الإلمام والتقييم الشامل لهذا الرائدالذي ساهم -يقول الفنان عبد الكريم الوزاني-في وضع الأسس التشكيلية لمدرسة تطوان العريقة.فقد قدم-يقول الفنان بوزيد بوعبيد- خدمات جلى وعطاءات هادفة ومستمرة من خلال أعماله التشكيلية وبصماته الدراسية والإدارية الساعية لفن مغربي جاد،هادف وعميق. إن محمد السرغيني يقول الفنان عبد الواحد الصردو- رائد وفنان حقيقي رفع رأس بلاده عاليا في المحافل الوطنية والعربية والدولية..يعيد الى الذاكرة حقبة زمنية لفن مغربي رائد مثلته طائفة من الفنانين على شاكلة سعد بن الشفاج ومكي مغارة واحمد العمراني وعزيز ابو علي ومحمد الدريسي..وعبد الواحد الصوردو. إن السرغيني -يقول الفنان محمد الغناج أول فنان قدم نموذجا لفن معاصر،كما أنه أول فنان مغربي شارك في المعرض الوطني للفنون الجميلة سنة1948 باسبانيا،واتسعت مشاركاته بمعارض اسبانيةأخرى، وهكذا أفلح في تمثيل بلادنا على مستوى دولي.