الجنين في بطن امه، يبتسم و يبكي، اولى كلماته صراخ و دمعة، يكبر شيئا فشيئا و بمرور السنوات يصير طفلا ثم رجلا، في كل اطوار حياته يعيش في فرح وحزن، بكاء و ضحك وحينما يصير مدركا لما حوله يبدا في وضع اهداف لحياته و برمجة السبل لتحقيقها و آنذاك ستكون بداية البحث عن السعادة. في رحلة عمرالانسان، يحلق عصفور السعادة في الاعلى حتى يصل الى قمة الجبل فيتخذ وكرا فوق شجرة الاماني، يتطلع بنظره الى الاسفل حيث يوجد كل واحد منا في محاولة لتسلق الجبل على امل الوصول قبل الاخرين ليصطاد بالعصفور لكن هيهات ان يحدث ذلك، فالحجارة و صعوبة المسالك تجعل من الصعب الوصول، ان لم يكن مستحيلا. تلك السعادة الضائعة منا منذ الازل ، اشخاص يرونها مالا و جاها، و اشخاص يلخصونها في الابناء، فمقاساتها تتغير حسب الامنيات والاولويات في حياة كل واحد منا. و بالرغم من اننا نحقق جزء من احلامنا في الحاضر الا اننا نظل نفتقد التمتع باللحظة التي نحقق فيها تلك الاحلام، نفرح قليلا و نحزن كثيرا، فمجرد التفكير في امكانية افتقاد ما لدينا في المستقبل يجعل الخوف يسيطر على لحظات الفرح وبالتالي نتوقف عن الصعود في منتصف الجبل بين ياس وامل وآنذاك نقع في فخ شبح المستقبل. الحقيقة اننا نعيش بين يقين و شك في امكانياتنا النفسية التحفيزية لتحدي العراقيل ،فنظل في الوسط بين سفح الجبل الحزين المتمثل في الماضي و اعلى الجبل حيث عصفور السعادة يترقب وصولنا في المستقبل بين السفح و القمة نحيا في الحاضر الضائع منا ،نحن الى الماضي الذي فات ولن يعود وفي نفس الوقت نخاف من ان يكون الحزن قدرنا في المستقبل ويظل السؤال كيف يمكننا ان نتمتع بزمن من الفرح في الحاضر لنكون سعداء؟. ان جدلية الحزن و البحث عن السعادة المفقودة هي قصة تنطبق على الانسان عامة، فالابتسامة المرسومة في الوجوه، الضحك بصوت عالي والهندام الفاخر و كل مظاهر الفخامة لا تعدوا الا ان تكون واجهة لإنسان ارهقته الحياة بقلة الحظ ، انسان يتجرع مرارة الوحدانية وسط عائلته، لانه يعيش في حلقة عدم الرضا عن النفس من الداخل اولا ثم غربة في محيطه ثانيا ، ذاك الانسان يحيا اسيرا داخل دائرة الفرح المؤقت المحاطة بدائرة اكبر منها، انها دائرة الحزن الدائم. وبذلك يبقى نموذج الانسان الذي يسعد في هذه الحياة، ليس هو الذي يتسلق الجبل بحثا عن عصفور السعادة و ليس الذي يعيش الحاضر و كل تفكيره في المستقبل وانما هو ذاك الانسان الذي بحث و فكر وخرج بنتيجة ان العصفور يوجد بداخله و ينتظر اخلاء سبيله ليحلق في سماء الحاضر بتلقائية بلا قيود على ان يقوم الانسان النموذج باشراك من يعيشون معه في افراحه و احزانه، و هم بدورهم عليهم بتقدير تواجده معهم، يبادلونه عطاءا بعطاء و ليس بالضرورة ان يكون العطاء ماديا بل تكفي ابتسامة صادقة ان تدخل الفرحة الى القلوب، كما انه عندما سنتعلم العيش في الحاضر فإننا لن نضطر لتسلق الجبل بل عصفور السعادة هو من سياتي الينا بكل فرح. و في النهاية تبقى السعادة هي ان نبكي، نحزن، نضحك، نفرح و في الاخير هي ان نتمتع بالرضا على اقدارنا،علينا ان نعيش حياتنا حامدين شاكرين، مبتسمين الى اخر دمعة فراق.