مشهد مؤثر شهدته إحدى مقابر المدينة الحمراء، يوم الخميس، فبدل أن يتسلم تلميذ نتائج امتحاناته وكشف النقط، التي جعلته يتفوق وينتقل إلى القسم الموالي، لم يجد القائمون على المؤسسة التعليمية ذلك التلميذ المهذب والخلوق، بعد أن خطفه الموت من أحضان والديه. لم تقدر الأم المكلومة على الذهاب إلى المؤسسة التعليمية من أجل الحصول على كشف نقط الامتحانات دون أن يكون بجانبها فلذة كبدها "إبراهيم"، الذي لقي مصرعه قبل أسابيع قليلة إثر حادثة سير، وهو الذي كان ينتظر أن ينتقل إلى مستوى آخر. حلت الأم بالمؤسسة التعليمية، وقلبها يجتر مرارة فراقها لطفلها المجتهد والوديع، بينما كان أغلب الآباء والأمهات يصطحبون فلذات كبدهم إلى المؤسسة، ويعيشون لحظة النجاح، بعد سنة من الاجتهاد وسهر الليالي من أجل إعداد التمارين وحفظ المقاطع والأبيات الشعرية، وإيجاد حلول للعمليات الرياضية. ذهبت الأم إلى المؤسسة التعليمية وقلبها يعتصر ألما لغياب طفلها "إبراهيم"، حيث كانت تتطلع إلى أن يعيش معها فرحة النجاح، وإدخال السرور إلى قلبها، وإحساسه بالفخر أمامها، لأنه حصل على معدل 13، وتفوق في مادة الإنجليزية بحصوله على النقطة 16، وغيرها من المواد العلمية والأدبية التي حصد فيها نقط 14 و12.45 و13.75، لكن لا شيء من هذا سيحدث، لأن "إبراهيم" لم يعد إلى الدار ولا إلى المدرسة، وإنما رحل إلى دار البقاء، دون أن يعلم أنه نجح في الامتحان بحصوله على معدل 13.92. لم تستسلم الأم المكلومة لفراق ابنها الصغير، وحرمانها من لحظات فرح تعم البيت والقلوب المتطلعة إلى أن ترى الطفل الصغير رجل المستقبل. أبت الوالدة إلا أن تعبر لابنها عن افتخارها به، واعتزازها بمجهوداته، وتنويه الأساتذة به، لذلك توجهت صوب المقبرة حيث يرقد في لحده، واصطحبت معها ورقة نتائج الامتحان، لتضعها فوق قبره. انهمرت الدموع فوق قبر "إبراهيم" لتسقي تربته، في يوم حار بمراكش، وتنهال عليه مشاعر الحب والود، وطلب المغفرة والرحمة، قبل أن تتطلع الأم إلى رؤية فلذة كبدها فرحا بما أتى من اجتهاد وكد، جعلاه مفخرة الأسرة، وزملائه في المؤسسة التعليمية. أبت الأم إلا أن تقابل اجتهاد ابنها وتعبيره لحبه لها بالاجتهاد والمثابرة في دراسته، برسالة قالت في مستهلها: "حبيبي الطاهر والمتفوق دائما، هذه نتيجة جهدك وعطائك هذه السنة، لقد تفوقت مجددا، وشهد لك الجميع بحسن الخلق والتربية والطيبة، وحين جاء دور الموجه ولفظ اسمك عرف أنك غادرت للرفيق الأعلى، ووقفوا وقفة صمت لقراءة ما تيسر من القرآن على روحك الطاهرة أيها الملك". وأضافت الوالدة: "بكينا بكاء شديدا، وشعرنا بحزن كبير.. وكانت نظرة العالم كئيبة في أعيننا ومظلمة حين ذهبنا لأخذ نتيجتك، والتفتنا ولم نجدك في أي مكان، بحثنا عنك كثيرا بين أصدقائك فما كان لنا إلا أن امتلأت عيوننا بالدموع، وقلوبنا بالحزن، وكأن العالم توقف، ولم يعد للحياة معنى، رغم ما شعرنا به". وزادت الأم "ذهبنا لزيارتك حبيبي، وإخبارك بأنك تفوقت كالعادة، لكن هذه المرة لم تظهر أي سعادة، ولم أسمع صوت ضحكتك، ولم أر السرور على وجهك، فما الفائدة إذن من كل هذا، ومن كل هذه الحياة الجامدة، ابني اليوم أعطانا هدية نجاحه، وحتى تحت التراب يبهرنا، ويرضينا، ويجعلنا فخورين به، مثلما كان يفعل دائما في حياته، أخذها قاعدة له حتى في موته أبهرنا وكان متفوقا كالعادة"، قبل أن تخاطب الجميع قائلة: "يا من تتظاهرون بالنجاح والفرح على صفحاتكم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ابني اليوم حقق نجاحا كبيرا في الأرض والسماء، فباركوا لي وهنئوني، واسألوا الله الصبر لنا على ما نحن فيه من ابتلاء وفراق فلذة كبدي، أحبك إبراهيم".