عندما سمعت "بلزة" وزير الحكامة كما خرجاته غير المحسوبة دائما، تذكرت الرجل ووفاته الملغزة بوادي الشراط، وأيقنت بأن حزب العدالة والتنمية، رغم تسلمه مقاليد الحكم في البلد لما يربو عن سبع سنوات، لا زال عاجزا عن تسويق رموزه ورجالاته بمهنية، على الأقل من يشتغل منهم في الظل أو من وراء حجاب، وخاصة من هم من طينة المرحوم، الصامت المبتسم حد الحكمة، كما وصفته بها كثير من الجهات. ولا أعتقد أن المتحدثين، وهم كثر اليوم، لم يفعلوها إلا تماهيا مع الحديث المأثور … اذكروا موتاكم بخير، فالتجربة عندنا أظهرت أنه في عالم السياسية المقيت، كثيرا ما يعري البعض، عن حسينيته بمجرد أن "يهضر" ، لكن لما تحدث الجميع أو أغلبهم عن السيد باها، بما فيهم المختلفون مع هيئته السياسية وحتى المشككون في ملابسات موته المفجع، أجمعوا على خلق الرجل ونبله وزادوه حكمة، والمقصود هنا الحكمة البشرية بعمقها ووداعتها كما صوابها ، حالنا كل البشر، رغم أن هذه الصفة أصبحت عملة نادرة في عالم سياسة آخر ، شيمته البليز والجبهة والدخول والخروج في الهضرة، ومهما يكن من أمر، وعلى الرغم من أن الفقيد لم يكن من ناس السياسة ذوي النشر الغزير، مثل علال الفاسي وياسين والجابري وجسوس … ممن كتاباتهم تتحدث عنهم وتأبى أن تنسيهم حتى ولو كثر القاتلون، أو أنه لم يكن من رجالها ذوي الجرأة المعلنة والتصريح الخطير، كالمهدي وبوعبيد و علي يعتة … فقد ترك بلاصتو، وفراغا ملحوظا، وحظي بما يلزم من تكريم وشهادات في مماته أكثر من حياته، وبشكل لم ينله فاعل سياسي آخر في العشرية الأخيرة أو من وقت بعيد. ولاشك، وبعد الذي سمعنا، أن هناك صفحات خفية مضيئة في حياة الرجال ينبغي كشفها وتسويقها، لا تقل أهمية عن لغز موتهم، من قبيل كتابات شخصية أو تصريحات نادرة أو مواقف متفردة يكون قد دافع عنها داخل دواليب حزبه أو في أدراج وكواليس وتراتبية الإدارة المغربية، هذا الديناصور الذي لا يقاوم، المتمنع على الإصلاح، والذي وجد الرجل نفسه على حين غرة، يدبر جانبا من شأنه مباشرة أو على الأقل … كنافخ لطيف و موشوش وديع، يعرف متى يتكلم بدل هذا الغثيان الذي نسمعه وبشكل يدخل هيئته في شبقات ومواجهة مع الناس هي في غنى عنها، وفي وقت الكل … معصب وطالعلو الدم. وحتى لا يبقى حزب العدالة والتنمية، ذاك الذي لا يسوقون لنا وللأجيال القادمة منه سوى نرفزة رجالاته، وسقط كلامهم، وقساوة إصلاحاته ، وسهولة جره وانقياده نحو واقع سياسي آسن تطبعه خلافات الوطن المفتعلة، وتيماته السحرية المذهلة، يدبرها على مهل، ويتحكم فيها بعض أذكياء السياسة وحرامييها، يتقاذفوننا بينهم بدون نتيجة كما هي كرة الوطن، وكأيها تجربة حكم ساذجة … ،مرت ذات يوم من هنا. وبغض النظر عما نسمع، وسمعنا، من هواة التدبير … غير الاحترافي ، ممن أوكل لهم دون استحقاق أو خلق، وخا العلم كاين، رمي الكلام وإضفاء التوصيفات المهينة على المواطنين بشكل مستفز، مثلها مثل الضحكة الشهيرة التي كان لها ما بعدها، فإن وفاة الحكماء والصامتين، مفروض أن يستنطق من بقي حيا حقيقتها، حقيقتهم، كما هي الموت دوما، حق ،حكمة، وفلسفة، تزيح الستار، وتنفض الغبار من تلقاء نفسها، و تكشف من، من ؟ من الكبار والطيبين في الفكر والتدبير والسياسة … مروا من هنا أيضا، ضدا في المتكلمين والبلازة بدون حصارات؟