ليس المقصود المؤسسة الاقتصادية الواعرة … التي على بالكم، والتي تسوق لمنتوجنا في الخارج، بل فقط، إن وفاة المرحوم عبد الله باها بصمت على عدة حقائق، أبسطها أن حزب العدالة والتنمية، رغم تسلمه مقاليد الحكم في البلد لما يربو عن أربع سنوات، لا زال عاجزا عن تسويق رموزه ورجالاته بمهنية، على الأقل من يشتغل منهم في الظل أو من وراء حجاب، وخاصة من هم من طينة وزير الدولة عبد الله باها، الصامت المبتسم حد الحكمة، كما وصفته بها كثير من الجهات، ولا أعتقد أن المتحدثين، وهم كثر، لم يفعلوها إلا تماهيا مع الحديث المأثور … اذكروا موتاكم بخير، فالتجربة عندنا أظهرت أنه في عالم السياسية المقيت، كثيرا ما يعري بعضنا البعض، عن حسينية الآخر أياما قليلة بعد دفنه، لكن لما تحدث الجميع أو أغلبهم عن السيد باها، بما فيهم المختلفون مع هيئته السياسية وحتى المشككون في ملابسات موته المفجع، أجمعوا على خلق الرجل ونبله وزادوه حكمة، والمقصود هنا الحكمة البشرية بعمقها ووداعتها كما صوابها وخطئها، حالنا كل البشر، رغم أن هذه الصفة أصبحت عملة نادرة في عالم سياسة ، شيمته الغدر والنزق والنفاق وسحق الآخر إن لم يكن قتله، ومهما يكن من أمر، وعلى الرغم من أن الفقيد باها لم يكن من ناس السياسة ذوي النشر الغزير، مثل علال وياسين والجابري وجسوس … ممن كتاباتهم تتحدث عنهم وتأبى أن تنسيهم حتى ولو كثر القاتلون، أو أنه لم يكن من رجالها ذوي الجرأة المعلنة والتصريح الخطير، كالمهدي وبوعبيد ويعتة … وزد عليهم زيد، فقد حظي بما يلزم من تكريم وشهادات في مماته أكثر من حياته، وبشكل لم ينله فاعل سياسي آخر في العشرية الأخيرة أو من وقت بعيد، ولاشك، وبعد الذي سمعنا، أن هناك صفحات خفية مضيئة في حياة الرجل ينبغي كشفها وتسويقها، لا تقل أهمية عن لغز موته، من قبيل كتابات شخصية أو تصريحات نادرة أو مواقف متفردة يكون قد دافع عنها داخل دواليب حزبه أو في أدراج وكواليس وتراتبية الإدارة المغربية، هذا الديناصور الذي لا يقاوم، المتمنع على الإصلاح، والتي وجد الرجل نفسه على حين غرة، يدبر جانبا من شأنها مباشرة أو على الأقل … كنافخ لطيف أو موشوش وديع، في أذن من ألقي عليه العبء كله، يرشده متى تاه، ويكبح جماحه متى تنرفز، ويقفل الباب، عليهما معا، متى احمرت عيناه أو أظلمت، وهي صفحات ومحطات عديدة في حياة الرجل يبدو، أخفيت عنا طيلة مساره القصير في الحكم، لابد لها أن تنشر ويزاح عنها الستار، وتكشف وتسوق للأجيال الحالية والقادمة حتى لا يحتفظ هؤلاء سوى برداءة السياسة ورجالها في ذهنهم، وتخسير الكلام في مؤسساتهم، وحتى لا يبقى حزب العدالة والتنمية، ذاك الذي لا يسوق للأجيال منه سوى نرفزة رجالاته، وقساوة إصلاحاته ، وسهولة جره وانقياده نحو واقع سياسي آسن تطبعه خلافات الوطن المفتعلة، وتيماته السحرية المذهلة، يدبرها على مهل، ويتحكم فيها شعبويو الوطن من أذكياء السياسة وحرامييها، يتقاذفوننا بينهم بدون نتيجة كما هي كرة الوطن، وكأيها تجربة حكم ساذجة … من تجارب الوطن،مرت ذات يوم من هنا، وبغض النظر عما نسمع، وسمعنا، من هواة التسويق … غير الاحترافي ، ممن أوكل لهم دون علم أو تخصص، كتابة السير المبتورة وإضفاء التوصيفات الساذجة، فإن وفاة هذا الرجل ستستنطق حقيقتها، حقيقته، كما هي الموت دوما، حق وحكمة وفلسفة، تزيح الستار، وتنفض الغبار من تلقاء نفسها، وسريعا تكشف من، من الكبار والطيبين في الفكر والتدبير والسياسة … مروا من ها هنا أيضا، ضدا في القتلة والمتربصين، لتبقى السياسة، وحتى لا نبالغ، سلم فحرب، انفعال فتدبر، بكاء فضحك، كر ففر، امتصاص صدم فرد، ولاشك أن ما لا يقتلك، يحييك ويشد عودك ويقويه … حتى ولو أفلح في بتر طرف منك،