لسنا في هذا المقام بصدد كتابة مقال نقدي لمختارات من الدواوين الشعرية للشاعر القصري "إسماعيل العلاوي"، ولا مقال رأي حول نموذج شعري بلغة الأدب الاسباني. وإنما غرضنا هو القيام بتجميعة لما دار بين شاعر وصديقه. إننا بصدد كتابة كلمة طيبة نتاج دردشات متبادلة بين صديقين حول الابداع والقضية والرسالة وعشق الكتابة. وأذكر أن صديقنا إسماعيل، ونحن جالسان في مقهى بالقصر الكبير يرتاده ثلة من مثقفي المدينة، كان في كل مرة يطلعني على الجديد في ديوانه الأخير والمراحل التي وصل إليها في كتابته. وبعد سنوات، وفي مطلع هذه السنة 2018 يرى آخر دواوينه "أشعار أفريقية Versos africanos" النور بالعاصمة الاسبانية مدريد عبر دار النشر Vivelibro. و قد كان في كل جلساتنا يتحدث عن قصيدة مميزة من قصائده، مستعملا الدارجة المغربية تيسيرا لعملية التواصل بيننا. كانت أشعاره شبيهة بتلك النحلات التي تنتقل، بحثا عن الرحيق، من زهرة إلى زهرة، فتنوعت موضوعاتها واختلفت، وكونت في مجملها باقة شعر بلغة سيرفانطيس. ومن أهم هذه الموضوعات: الأندلس: يؤكد شاعرنا من خلال قصيدته (غرناطة) على الهوية المغربية العربية والاسلامية لبلاد الأندلس، ويشير إلى خلود حضارتها، خاصة فيما تتميز به في فن العمارة، والذي ما يزال الشاهد عليها حاضرا بإسبانيا والمغرب. كما يلفت الانتباه إلى مسألة مثيرة للاهتمام، وهي أن الأندلس سجلت مرحلة هامة في تاريخ الانسان تعايشت فيها ثقافتان إنسانيتان مختلفتان مدة ثمانية قرون. أفريقيا: ركز شاعرنا على الثقافات الأفريقية في مجموعة من قصائده منها قصيدة (ألوان أفريقية). فعبر باللغة الأدبية الاسبانية عن مضمون أفريقي، ملفتا الانتباه، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن أفريقيا ليست مقسمة ثقافيا إلى بيض وسود. إنها كما يقول "ألوان ثقافية" والمغاربة لون ثقافي نهل من أصله الأفريقي كما نهل من أصوله الأخرى العربية والأمازيغية والصحراوية والأندلسية. هذا فضلا عن اتساع نظرته إلى العالم بحيث دعا إلى التواصل الحضاري والثقافي الجيد والسوي بين شعوب القارات ككل، سواء الأفارقة أو الأوربيون أو غيرهم. القضية الفلسطينية: إن روح الشاعر الموصولة بهذه القضية حاضرة مجموعة من قصائده كقصيدة (فلسطين). بحيث صور ما يعيشه الفلسطيني كل يوم بسبب العدوان الصهيوني، وبين رمزية بيت المقدس بالنسبة للعرب والمسلمين، وعبر عن أمله الذي لا يضعف بأن أرض فلسطين ستتحرر يوما. الحرب: فتح الشاعر بقصيدته (لماذا) نافذة يطل منها على الوضع المزري الذي يعيشه المجتمع العربي بالشرق الأوسط، جراء التناحر وإراقة الدماء من أجل مصالح شخصية ضيقية. بل ووسع دائرة رؤيته ليعبر عما آلت إليه البشرية جمعاء جراء الحروب. وفي قصيدته هذه يقول إن بتر يد طفل أو رجله إنما هو بتر لحلم رسام وقتل لحلم رياضي. الحرب كما يقول "لا تكتفي بقتل الناس.. تغتال كذلك الأحلام.. المستقبل". السلام: في قصائده (ابحث عن السلام – أحلم بنجمتين – بحر) يحرر حمامة السلام من قفصها، فيقول إن السلام يبدأ بأبسط الأشياء.. ابتسامة، كلمة طيبة… بل وربطه بالتسامح وحسن الجوار، والتعايش بين الشعوب والأديان والثقافات، والانفتاح على الآخر، والتضامن القوي بين الأفراد والشعوب ماديا ومعنويا. هذا فضلا عن ربطه السلام بالتنمية المستدامة، معبرا عن هذا الترابط بفهوم جديد للسلام وهو السلام المستدام. ولدى شاعرنا إصداران آخران. وهما ديوانان سابقان منشوران بالعاصمة الإسبانية مدريد من خلال دار النشر نفسها: (2012 Soñaba) و (2013 Sietes). وقد تناول فيهما الشاعر موضوعات إنسانية شتى، فمس مجموعة من القضايا المهمة، منها القضية الفلسطينية والربيع العربي والجرائم التي ارتكبت في حق المسلمين بسوريا و بورما و غيرهما. كما التفت فيهما إلى ظاهرة أطفال الشوارع و ما يتعلق بها من مشاكل نفسية و اجتماعية داخل الوطن العربي وخارجه. وتطرق كذلك إلى فئة المرضى ؛ فشاركهم أسقامهم محاولا تخفيف وطاة الألم عنهم. وغير ذلك كثير لا يتسع له المجال في هذه الكلمة الوجيزة. هذا وله مشاركات عدة بمقالات رأي باللغة الاسبانية في مجموعة من الجرائد الدولية. والحق أن الشاعر الصادق هو الذي يصل همه بهموم الآخرين، ويتخذ من صناعة الشعر سبيلا يسلكه نحو القيم الإنسانية العالية. هذه القيم التي حثت الشاعر القصري على مشاطرة الإنسان معاناته بغض النظر عن انتماءاته الترابية والدينية والعرقية والفكرية والأيديولوجية والثقافية، فترجمها في كلمة شعرية صادقة باللغة الإسبانية. هذا هو إسماعيل العلوي في كتاباته الشعرية. * طالب بجامعة عبد المالك السعدي، كلية متعددة التخصصات – ملحقة القصر الكبير. * له محاولات في الكتابة و الإخراج و التمثيل في مجال المسرح .