يعتبر الامتحان من أهم أساليب التقييم التربوي التي تعتمدها المؤسسة التعليمية لقياس مستوى تحصيل التلاميذ المعرفي، ونسب امتلاكهم للكفايات السلوكية، ويعتبر الامتحان كذلك مكونا معياريا لتحقيق النجاح والانتقال من مستوى دراسي معين إلى مستوى أعلى، بالإضافة إلى كونه مكونا أساسيا للمراقبة المستمرة في أغلب الأحيان، غير أن هذا الامتحان لم يعد ميزانا مناسبا للقياس، نظرا لاختلاله من جراء فقدانه لنسبة كبيرة من المصداقية، وذلك بسبب تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات، هذه الظاهرة المشينة التي تهدد المشروع التربوي بالإفلاس، والعملية التعليمية بالانهيار. وعند استقراء الميدان التعليمي، وتقصي الحقيقة في حجراته الدراسية، وكواليسه الإدارية ندرك أن هناك عوامل متعددة تجعل أغلب التلاميذ غير مؤهلين لمواجهة الامتحان بمؤهلاتهم الذاتية، فيعتمدون الغش كوسيلة للعبور، وقنطرة لاجتياز الامتحانات. من هذه العوامل طول المقررات، وعدم ملاءمتها لاهتمام التلاميذ وحاجياتهم، وضعف الوسائل الديداكتيكية، وغياب الرغبة في الاجتهاد بسبب اليأس والإحباط عند التخرج، ونهج طرق تعليمية تقليدية غير مناسبة من طرف أغلب المدرسين، وعدم ارتقاء الفضاء المدرسي إلى تطلعات الطلبة والتلاميذ، وهناك عوامل اجتماعية ونفسية، نتطرق إليها بشيء من التفصيل، يصعب الفصل بينها منهجيا لأنها متداخلة ومترابطة: الشعور بالتقصير أو النقص: لن أتعرض إلى الشعور بالنقص، لأنه حالة مرضية، بل أقتصر على الحديث عن التقصير في العمل، باعتباره معطى يشعر به التلميذ، ويحس به، ويؤثر في أناه العليا، وقد يستطيع هو ذاته أن يحدد حجمه ومداه، وما دام الأمر كذلك، فإن التلميذ يدرك إدراكا تاما أنه غير مستعد معرفيا، وغير مؤهل لاجتياز الامتحان بطريقة مرضية، وبما أنه لا يمتلك أدوات النقد الذاتي فإنه يمارس عملية الإسقاط النفسي، ويرمى اللوم على المدرسين والبرامج والظروف العامة والخاصة، ومن خلال ذلك يمرر على ذاته قناعة اتخاذ قرار ممارسة الغش في الامتحان. الشعور بفقدان الثقة في النفس: إن الإحساس بعدم الثقة في النفس هو نتيجة الشعور بالنقص أو التقصير، وهو "فيروس" يقتل الطموح والإرادة، يرمى بصاحبه إلى الاضطراب النفسي، والتردد في اتخاذ المواقف، والخوف من المبادرة، بل يجر التلميذ إلى الانزواء والتقوقع داخل الفصل، واختيار مقعد متأخر، والعزوف عن المشاركة في بناء الدرس، فيتحول من تلميذ مساهم ومنتج للمعرفة، إلى مجرد تلميذ مستهلك للمعلومات في أحسن الظروف، وقد تجده أحيانا مدركا للإجابة الصحيحة، ولكنه لا يجرأ على المشاركة ومحاولة الإجابة، والمدرس الناجح هو الذي يستحضر الجانب النفسي في العملية التعليمية التعلمية، ويستثمر وعيه التربوي في معالجة التلاميذ الذين يعانون من جراء الشعور بالنقص والتقصير، ويأخذ بيدهم، ويدفعهم بيسر إلى المشاركة في الدرس، ويحفزهم على مزيد من المساهمة، ويزرع في نفوسهم بدور الأمل، ويعيد لهم الثقة بالنفس، وإلا سيظل المدرس يخاطب فئة قليلة من التلاميذ، وقد يخاطب فقط نفسه، ولا يتعدى صداه سبورته، فالتلميذ الفاقد الثقة في نفسه نجده في قاعة الامتحان يلتفت إلى هنا وهناك عساه يلتقط أجوبة من زملائه، أو يعتمد كلية على النقل والغش. تنامي روح الاتكال والتواكل لدى التلاميذ: موازاة مع التهاون في الدراسة، وعدم الاهتمام بشخصية التلميذ، وترك الحبل على الغارب، تتنامى في نفوس التلاميذ روح الاتكال على غيرهم، والاستسلام لأوهام الفشل والإحباط، فيتنازل التلميذ تدريجيا عن طموحاته، ويتراجع عن أهدافه، ويتخلف في دراسته، وينخرط من حيث يدري أو لا يدري في زمرة الكسلاء والمشاغبين، مع اجتهاده في اكتساب ثقافة الغش والتحايل. اكتساب ثقافة الغش من المجتمع: أصبح التلاميذ يكتسبون عادة الغش في الامتحانات، ويجرؤون على ممارستها دون الشعور بأدنى حرج، أو وخزة ضمير، وذلك لتعودهم اختلاس الأجوبة وفعل المحذور قياسا على سكوت المجتمع عن حالات مماثلة، تحدث باستمرار في الحياة العامة، فالتلاميذ يطلعون على مآت حالات الغش والرشوة والاختلاس تقع في جميع مرافق الحياة، وأسلاك الوظيفة العمومية، وعند محاولتهم تتبع الإجراءات المتخذة ضد هؤلاء المنحرفين والخارجين عن القانون، يستنتجون غياب المتابعة القضائية لهم، وغياب سلطة الزجر والعقاب، فتنتقل عدوى السوق والمقاولة، والقطاع العام إلى المؤسسة التربوية، الشيء الذي يضاعف من مسؤولية المربي لمحاصرة ظاهرة الغش بشكل عام، والغش في الامتحانات على وجه الخصوص. بعض نتائج ظاهرة الغش في الامتحانات: تترتب عن ظاهرة الغش في الامتحانات مجموعة من المظاهر السلبية، والعواقب الوخيمة، والسلوكات المشينة التي تنسف العملية التعليمية، وتضرب بقوة عمق الرسالة التربوية، حيث تنتفي روح التنافس بين التلاميذ في التعلم، ويحضر مفهوم المغامرة، وتتعدد أساليب الغش والتحايل، على حساب الاجتهاد والاعتماد على النفس، وإذا لم يوفق المربي في إذكاء روح التنافس بين تلاميذه تحول قسمه إلى مجموعة من التلاميذ غير المهتمين، وتحول درسه إلى عملية إلقاء صرفة، لا فعل فيها ولا تفاعل، ولا مشاركة ولا استيعاب، والكل عن سابق إصرار يستحضرون الغش يوم الامتحان، ويعدون له العدة، ويختلقون له المبررات والأسباب، فيختل الميزان وتضطرب النتائج، ويصعب تصنيف التلاميذ بناء على الامتحان في فئات الحسن والمتوسط والضعيف، والتمييز بين الناجح باطلا والراسب حقا، وبالتالي يفقد الامتحان مصداقيته كمعيار موضوعي لقياس معارف التلاميذ ومهاراتهم، وقد يفرز أطرا غير مؤهلة لتحمل المسؤولية المهنية بكل إخلاص وكفاءة. استنتاج غير كاف: أصبح أغلب التلاميذ – بسبب العوامل السابقة الذكر – يتعاملون مع الامتحانات بمنطق النفعية، حيث أضحى التلاميذ يختزلون الامتحان في كونه وسيلة لتحقيق النجاح، ومباراة لانتزاع المكاسب، وهم لا يترددون في استخدام أية وسيلة تحقق لهم ذلك المبتغى، وتضمن لهم ذلك الامتياز، ولذا وجب على المربيين تدريب التلاميذ على امتلاك بعض الكفايات، والتزود بالمعرفة، والتكوين الذاتي، والتسلح بالصبر والأمل، والإعداد القبلي للامتحان، واعتباره أسلوبا للتقييم، ومعيارا لقياس المهارات، ومؤشرا تربويا لتحديد نسبة استيعاب التلاميذ لهذا الدرس أو ذاك، لهذه المادة أو تلك، كما أن المدرس مدعو لإشراك تلاميذه في عملية التقييم بالمستويات الثلاث: التقييم الذاتي، والتكويني، والإجمالي، وبهذا يكون الأستاذ قد عبأ تلاميذه وهيأهم لاجتياز الامتحان، معتمدين على ما اكتسبوه من معارف ومهارات، مولدا فيهم روح التنافس الشريف، معززا مشروعه التربوي بالحوافز المادية والمعنوية. إن السير في هذا الاتجاه يقلص لا محالة بنسبة كبيرة من حجم ظاهرة الغش في الفروض والامتحانات.