شهر محرم هو أول شهر السنة الهجرية ،وهو أحد الأشهر الأربعة الحرم مع رجب ،ذي القعدة وذي الحجة ،وقد سمية بالمحرم لتحريم القتال خلاله الأشهر الحرم الأربعة وهي التي لا يستحل فيها المسلمون القتال قال الله تعالى فيها :إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين. ( صدق الله العظيم ) . وكما أنه لا يخفى أن الأول من شهر المحرم هو بداية التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري كما أرخه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالإجماع ،مخالفين بذلك بداية التقويم السنوي للنصارى حيث أرخوه منذ يوم ولادة المسيح عليه السلام ،ومع ذلك لم تكن هجرة النبي صل الله عليه وسلم في شهر المحرم ،وإنما بدأت هجرته من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالتة عشر لبعتثه صل الله عليه وسلم .ومن هنا يتبين أن شهر المحرم لم يكن موعد هجرته ( ص ) وإنما كان ابتداء العزم على الهجرة في ذلك الشهر ،حسب ما قيل " وأخروه من ربيع الأول إلى المحرم " لأن البيعة وقعت أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فكانت مناسبة الابتداء بالمحرم . ومن الحق والعدل ان يقتدي المسلمون بالرسول صل الله عليه وسلم ويتعظوا بسيرته وينتفعوا بماجرى في زمانه من وقائع عظيمة وحوادث شريفة ويستخرجوا منها الدروس والعبر على مدار السنة، وتتجسد معانيها الروحية في قوالب صادقة تقوم سيرة المسلم وسلوكه وخلقه باستنارته من مشكاة النبوة . فمع كل فاتح محرم تحل على الأمة الإسلامية ذكرى الهجرة النبوية وبداية عام جديد شاهد عليها. والذكرى في تجلياتها استرجاع لحدث تغيير مجرى المسلمين ونقل الدعوة إلى مرحلة الدولة بالمدينةالمنورة والانفكاك من كل القيود ،ومن خلالها يتذكر المسلمون عبر العالم الهجرة وكيف استعد الرسول الكريم لتنفيذها مع توفير الوسائل المادية والمعنوية والتي جعلت كيد الكائدين في ضلال ،ومكنت لدين الاسلام ليفتح القلوب والبلدان . وقد كرست الهجرة النبوية تلاثة صور دات العلاقة بالبعد النفسي والديني الاجتماعي ففي صورتها الدينية جاءت لنصرة الدين والتضحية من أجله بكل غال ونفيس وجاءت الهجرة لمكان يتربص بالدعوة الجنينية يريد وأدها قبل أن تشكل خطر على أصحابه من كفار قريش وتقويم نظامهم الإقتصادي والسياسي الاجتماعي إلى مكان أكثر استعداد لتقبلها او على الأقل فيه مجال أرحب للحركة والفعل . والهجرة في بعدها النفسي جاءت طلاقا نفسيا للمكان الذي استأنس به الرسول الكريم وترعرع فيه في طفولته وشبابه ،وما أشد هذا الفراق الذي جعل نفس النبي الكريم تخاطب الوطن الأصلي " وإنك لأحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك قهرا ما خرجت من بلادي " كلمات صادقة تعكس حرارة الشوق وألم الفراق وحني العودة إلى أرض الوطن . أما الهجرة في بعدها الإجتماعي ،فتمثلت في محطتين في تضحية الأخ أو الصديق أبي بكر الصديق ووضع كل امكانيات أسرته بافرادها وأموالها للذوذ عن الرسول الكريم وحمايته في رحلة الهجرة ،والثانية في التلاحم القوي بين الأنصار والمهاجرين واستيعاب الأوائل لمشاكل إخوانهم القادمين من غير مال أو ولد ،وتبدأ الرحلة بأحداث طلاق نفسي لكل المنهيات وتنبيه الناس لمخاطرها لما تؤدي إليه من تنافر وتفكك اجتماعي . وتتبعها خطوة البحث عن الصالحين من المسلمين لتنفيذ كل الخطوات الأخرى الكفيلة بإحداث تلاحم اجتماعي ،ليترسخ لدى العقول لأن الهجرة جدوة مستمرة وقوة دافعة لكل فعل تغييري حضاري .