لقد اطلعت على ما نشر في جريدة المساء, عدد 268 الصادرة بتاريخ 20/04/2017, وفي جريدة السبيل عدد 259 بتاريخ 27/04/2017, وفي المجلة الفرنكفونية TELQUEL عدد 761 بتاريخ 21/04/2017, وأخيرا الحوار الذي دار بين عبد الوهاب رفيقي وبين محمد الفيزازي, على صفحة جريدة المشعل عدد 557 بتاريخ 27/04/2017,. في الحقيقة , لقد قرأت تلك المقالات عدة مرات حتى كدت أحفظها وبعد هذه القراءة المتأنية, عنت لي الملاحظات التالية: * أنا لا صلة لي بهذا الرجل إطلاقا, غير أن الذي اعرفه عنه انه تخرج من إحدى الجامعات السعودية ٬ وكان يشتغل خطيبا للجمعة في مسجد من مساجد فاس, ولم التق به قط, غير أني رايته سنة 2015 في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء, واقفا وحده عند مدخل المعرض ولم اكلمه ولم يكلمني. * وبعد هذه المقدمة أريد أن أناقشه في المسائل الآتية: * أولا: قوله إن موضوع الإرث ليس خطا احمر, واستدلاله على ذلك ببعض القواعد الأصولية, مثل: لا اجتهاد مع النص ٬ ومثل :الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. * ثانيا: استدلاله بعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعطيل حد السرقة في عام الرمادة. * وأخيرا, من أنت؟ حتى تدعي هذه الدعوى العريضة ( الاجتهاد المطلق), إذا كنت تدعي بأنك من أهل الاجتهاد فسأطبق عليك شروط الاجتهاد التي ذكرها علماء الأصول في كتبهم حتى نرى جميعا هل تنطبق عليك هذه الشروط, أو انك بعيد عنها كل البعد؟ وهذا ما سنراه في الصفحات التالية, فاقول وبالله التوفيق. * أولا: قولك: إن موضوع الإرث ليس خطا احمر. إذا كان موضوع الإرث ليس خطا احمر فلماذا قال الله تعالى بعدما ذكر آيات المواريث في سورة النساء الاية13 و14:" تلك حدود الله, ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين". قال ابن كثير في تفسيره: أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه ٬ وهذا إنما يصدر من عدم الرضي بما قسم الله وحكم به ولهذا يجازيه بالاهانة, في العذاب الأليم المقيم. وقال أيضا الشيخ محمد التاويل رحمه الله في كتابه القيم الذي خصصه لهذه القضية "دعوى المساواة في الارث" صفحة 92 , والكل يعلم إن دول العالم كلها تحمي حدودها وتدافع عنها بكل قواها ولا تتردد في اعتقال أو إطلاق النار على كل من ينتهك حدودها ويخترقها عنوة ويرفض احترامها والوقوف عندها. والشيء نفسه ذكره الشيخ عبد الله التليدي في تفسيره المسمى " الجواهر و اللالىء المصنوعة في تفسير القران العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة " ( ج الاول ص 211) وكذلك الشيخ القاضي برهون في كتابه " تحصين الأمة" ( ج الأول ص 28). و أما استدلالك بالقاعدتين الأصوليتين على دعواك فاني أبين لك معناهما من كتاب " توضيح الأحكام من بلوغ المرام" للشيخ عبد الله البسام ( ج الاول ص 37 و 42) القاعدة الأولى قولك لا مساغ للاجتهاد في مورد النص معناها لا مساغ : أي لا منفذ ولا طريق. الاجتهاد: هو بذل الجهد العلمي في استنباط الأحكام من أدلتها وهو نوعان: * اجتهاد في فهم النصوص لإمكان تطبيقها٬ وهذا واجب على كل مجتهد. * الاجتهاد عن طريق القياس والرأي, وهذا لا يجوز الالتجاء اليه إلا بعد أن لا نجد حكم المسالة المبحوث عنها في الكتاب ٬ والسنة ٬ والإجماع. وأما معنى النص عند علماء الأصول فقد اخترت لك تعريفا من كتاب تعرفه ودرسته من قبل ألا وهو " روضة الناظر وجنة المناظر" فقال في الجزء الثاني صفحة 27 النص: هو ما يفيد بنفسه من غير احتمال كقوله تعالى " تلك عشرة كاملة" وقيل: هو الصريح في معناه وحكمه: أن يصار إليه ولا يعدل عنه إلا بنسخ, قال شارحه الشيخ عبد القادر بن احمد بدران قوله وحكمه: أي وقضاء الشرع في النص في الشرع فيه ألا يترك إلا بنسخ, وذلك لان النسخ رافع لحكم المنسوخ نصا كان أو غيره, أما مع عدم النسخ ونصوصية اللفظ فتركه يكون عنادا و مرا غمة للشرع فيدخل تاركه على هذا الوجه, في قوله تعالى " ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا", إلى قوله تعالى:" كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى". القاعدة الثانية: الحكم يدور مع علته وجودا وعدما, شرح هذه القاعدة " أي إن أحكام الله تعالى تدور على حكم سامية وأسرار عالية تحقق المصالح و تدرأ المفاسد, فمتى وجدت هذه الأسرار وجدت أحكام تناسبها, والحكمة التشريعية قد ينص عليها الشارع الحكيم وقد لا ينص, وقليل من الأحكام لا يفهم العلماء لها حكمة بينة فيسمونها الأحكام التعبدية وعلماء التفسير يسمونها مما استا ثر الله بعلمه, كما قال ابن عباس رضي الله عنه: التفسير على أربعة أوجه, و ذكر منها تفسير استاتر الله بعلمه, وهذا من ذاك, انظر " مناهل العرفان" لعبد العظيم الزرقاني (2/13) وأما استدلالك بتعطيل حد السرقة عام الرمادة المنسوب ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقد أجاب عن دعواك الدكتور محمد بلتاجي في كتابه " منهج عمر بن الخطاب في التشريع ( ص 216 , 217) حيث قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادرأوا الحدود بالشبهات عن المسلمين ما استطعتم فان الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة, فإذا وجدتم لمسلم مخرجا فادرأوا الحد عنه", قال ابن القيم: وذهب احمد الى موافقة عمر في عدم القطع ووافقه الاوزاعي في إسقاط الحد في المجاعة, ثم قال وهذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع فان السنة إذا كانت مجاعة وشدة, غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد رمقه, ويجب على صاحب المال بذل ذلك له مجانا على الصحيح لوجوب المساواة وإحياء النفوس وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج.
ثم وجدت وثيقة تاريخية يسميها المؤرخون الوثيقة الذهبية, ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية, ونقلها عنه صاحب كتاب " كيف عالج الإسلام البطالة" ( ص 56) لها علاقة قوية بما ذكرناه جاء فيها: أن عمر بن الخطاب عين احد عماله على بعض أقاليم الدولة, ولما أراد أن يودعه سأله هذا السؤال, ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟. فقال له العامل على الفور اقطع يده, فقال له عمر: فان جاءني جائع أو عاطل أأقطع يدك أنت؟ ثم قال له : يا هذا 2ن الله استخلفنا عليهم لنسد جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم, فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها, يا هذا إن الله خلق الأيدي لتعمل فاذا لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا. وأما السؤال المتعلق بالاجتهاد فسأرجئ الحديث عنه إلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى, إن لم تركب راسك وتحاول الصيد في الماء العكر وان كنت لا أحب لك ذلك ؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ولاسيما أن العلماء الذين تراجعوا عن أفكارهم كثيرون, فهذا عز الدين بن عبد السلام, يقول: أفتيت مرة بشيء تم تبين لي خلافه فما كان مني إلا أن خرجت في أسواق القاهرة مناديا على المل2 إن من أفتاه فلان ( يقصد نفسه) بكذا فلا يعمل به فانه خطء, انظر كتاب " فتاوي" عزالدين ابن عبد السلام ( ص 122). واكتفي بهذا القدر, والحكم على هذا الرد ادعه للقراء الكرام والسلام. إعداد: خليل المودن." خريج دار الحديث الحسنية وعضو سابق برابطة علماء المغرب."