ولأن منطق الربح هي اللغة الوحيدة التي يتقنها منتجوا الأعمال التلفزية والسينمائية، ولأن إنتقاء الأدوار التشخيصية يمر عبر بوابة العلاقات الخاصة جدا، ويغفل الكفاءة والتكوين الأكاديمي، فإنه من الطبيعي أن نجد الممثلة "فاطمة بوجو" ومثيلاتها، إن إستقام هذا الوصف مجازا ورمزا رهن الإعتقال الإحتياطي، ونادراً جدا ما تُمنح لهن فرصا للبروز على الشاشة لكنه يبقى بروزا خافتا، لا تلتقطه ذاكرة الجمهور. أمام هذا الحيف، سلكت الممثلة "فاطمة بوجو" طريق المنفى الإختياري، لأنها شعرت بالإهانة في مجال فني مريض تسكنه الزبونية والمحسوبية، وإبتعدت كثيرا عنه لسنوات، لكن من تسكنه عدوى الفن لا يمكنه أن يبرأ منها ، وهكذا عادت فنانتنا إلى الميدان بإطلالات مسرحية، جعلتها تحظى بتقة بعض المخرجين لتبدأ تدريجيا في رسم ملامحها على الشاشة الدرامية المغربية ولكي نحيط ببعض من تصورات فنانتنا على الإبداع المسرحي والدرامي، وبعض من جوانب شخصيتها المهنية، كان لنا معها هذا الحوار س: قبل أيام، وفي بلد أجنبي(إسبانيا) تلقيت دعوة لمشاهدة عرض مسرحي، المثير أن ملصق أو أفيش المسرحية،لا وجود فيه لجهة داعمة إسمها وزارة الثقافة وما يدخل في بابها، جميع الممولين من شركات خاصة تتوزع بين الطاقة، والإتصالات، والمشروبات. أنتم كأعضاء في جمعية مسرحية ليست ذات منفعة عامة أو لأقل مقاولة فنية، ألم يحن الوقت لتخرجوا من عباءة لجنة الدعم المسرحي التي تشرف عليها وزاراة الثقافةالمغربية؟ وأثناء توزيع وتقسيم المهام داخل هذه المقاولة، ألم تنتبهوا إلى ضرورة إنشاء لجنة مكلفة بالعلاقات الخارجية تتعقب الموارد المالية خارج الدعم العمومي؟ ج: الدعم المسرحي الذي أنشأته وزارة الثقافة، جاء لبعث الروح في فرق مسرحية كانت في طريق الانقراض..وهو مشروع يؤسس لخلق المقاولة الفنية مستقبلا و التي بدأت تترسخ حاليا لدى بعض الفرق المسرحية ..فلكي تكون المقاولة الفنية ناجحة علينا أولا التأسيس لثقافة المقاولة الفنية، التي تؤسس للفعل الثقافي والتي تنتج أفكاراً وقيماً واخلاقاً وحضارةً، في أفق خلق حركة إقتصادية تعتمد على مبدأ الإنتاج والتسويق وتحقيق الربح ،مما يمكنها من خلق فرص الشغل، ليصبح الفنان هو رأسمال المقاولة الرئيسي، معتمداً في ذلك على مهاراته وكفاءاته الفنية والفكرية ،،وهذا الأمر ليس رهينا بالممثل ،وانما مرتبط برئيس الفرقة الذي عليه ان يغير طريقة تفكيره التقليدية إلى طريقة جديدة تساير طموحات مشروع قانون الفنان التي تهدف إلى تحويل الممثل من متسول يستجدي الصدقة إلى عنصر فعال ومنتج وقادر على تحقيق الربح المادي .. س:إرتباطا بالسؤال السابق، ألا ترين معي أنه أصبح ملحاً إنشاء هيئة أو مجلس أعلى للفنون بمالية مستقلة وبأعضاء من الوسط الفني والثقافي عموما، يُعهَد إليها بحماية وتتبع تطبيق مقتضيات قانون الفنان الجديد، ولما لا خلق لجان بداخلها تسهر على حل المنازعات الفنية، وتبسيط الإجراءات المعقدة أو المخاض القاسي، لإخراج منتوج فني إلى حيز الوجود؟ أقول هذا لأن وزارة الثقافة بمديرياتها لا يمكنها أن تستوعب كل هذا التراكم التنظيمي بمشاكله وإحتياجاته، ولأن ميزانيتها لا تتجاوز في أفضل الحالات ميزانية جماعة حضرية بالمغرب ج: لست لا مع ولا ضد انشاء هيئة أو مجلس أعلى بقدر ما أنا مع القيام برحلة تطهيرية للذات الانسانية من سموم أفكار عقيمة جعلت الفنان والمسؤول عن القطاع الفني والثقافي وأيضا الجمهور ،عناصر يلقي احدها اللوم على الآخر وهو في نفس الوقت يتهرب من مسؤولياته تجاه نفسه وتجاه المجال الفني ..إننا في مرحلة تفرض علينا محاربة الجهل وقلة الوعي والطمع والتكاسل والاعتماد على الآخر ..ونغمة البكاء لجلب الشفقة ..وأيضا الاختباء وراء قلة الامكانيات ..على الفنان قبل المطالبة بحقوقه أن يطور نفسه أولا ،أن يغذي فكره وروحه، أن يكون صاحب رؤية، وتصور وفلسفة لنفسه، وللحياة، والوجود ،أي أن يكون مؤهلا لوظيفته في المجتمع. هشام الخياطي
س : دائماً ما ألاحظ في ملصقات المسرحيات المغربية هذه العبارة المتكررة "ساعتان او ثلاث من الضحك" (حسب مدتها الزمنية) . هل هذا يعني أننا أُفلِسنا ثقافيا وأن "الإضحاك" هو الإغراء الوحيد الذي سنستجدي به الجمهور للإلتحاق بقاعات العرض؟ وهل الإضحاك هنا إضحاك "قضية" أو لا يعدو أن يكون تهريجا؟ ج: كنت وما زلت أعتبر المسرح فرجة ترفيهية، من خلال أسلوب فني جميل ،الممارسة المسرحية هي لبنة أساسية في التربية الفنية لكل جيل وأنا أتمنى ان يمارسها الجميع داخل المؤسسة التعليمية، أي المدرسة، أو خارجها بدور الشباب ودور الثقافة … وحضور الفرد كمتفرج إلى فضاء العرض أي المسرح ..هو حضور بهدف البحث عن الفرجة والمتعة البصرية والسمعية ..ولم لا الضحك…الضحك هو فرصة للإسترخاء ..للإنفلات من سلطة العقل الواعي الذي يستعبد الجميع داخل فضاء الأسرة أو محيط العمل ..وأيضا إستعادة الطاقة والحماس للقيام بالواجبات الأسرية والعملية …نعم أنا مع الضحك ..وأفضل دائما العمل في عروض مسرحية تخلق فرجة مسرحية معتمدة على الضحك،وقد رفضت سابقا العمل في مسرحيات لا تحقق متعة الضحك للجمهور، لأني أؤمن بالتطهير من خلال الضحك س : الفنانة فاطمة بوجو، أو فنانة الظل، وصلتني إشادات طيبة من عدد كبير، تابعوك على الركح وأثنوا على حرفيتك فوقه. فاطمة بوجو أنت خريجة "المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي"، وكما قلت سابقا مشهود لك بالتميز فوق خشبة المسرح، فلماذا تقبلين بأدوار تلفزية، لن تضيف لمسارك المهني شيئا غير الظهور من أجل الظهور أو الظهور المجاني، في حين أخرى غيرك، تكوينها في الميدان محتشم أو منعدم إطلاقا ، ويعطى لها دور (البطولة) ألا يحتاج الأمر منك إلى قليل من الكبرياء، خاصة أن الأدوار التي تناط إليك منمطة ومعادة ولا تخرج عن دور الخادمة والمرأة المُهْمَلة؟ تكملة للسؤال، حبذا لو تقدمين للجمهور تفصيلا صغيرا عن المعايير المتحكمة في توزيع الأدوار التشخيصية في المغرب؟ ج: عشت مرحلة ما بعد التخرج من المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط منذ 1993 على أساس أننا سنكون جيل التغيير ،جيل سيكمل مسيرة الرواد على أسس جديدة من المعايير الاكاديمية ..مرحلة عشنا فيها وهم أن من حقنا الإختيار ..وكانت النتيجة ،أن مرت السنوات والنتيجة مسار فني متذبذب بين الحضور الباهت والغياب الطويل عن الشاشة والخشبة …لأن من سبقنا فكر في تأسيس المعهد ولم يفكر في تأسيس البنية التحية والأرضية القانونية للممارسة الفنية وللإنتاج الدرامي والسينمائي والمسرحي ببلادنا ،،فكان خريج المعهد كطفل يتكلم لغة لا يتقنها مَن حوله ،،..مهمة الإختيار هنا لديه معدومة..هل سيختار أن يعلم لغته لمن حوله وهذا مستحيل ..أم سيتعلم هو لغة من حوله ليتمكن من الإستمرار في العيش ….أنا عشت المرحلة الأولى والجميع يعرف نتيجتها ..وأنا الآن اعيش المرحلة الثانية،وهي الإنفتاح على الجميع ،على كل التجارب ،والإستفادة منها ،،وأستمتع بعملي كممثلة واعتز بتجربتي في مسلسل "أنا الزمورية" الذي أعادني الى الشاشة وإلى الجمهور الذي فرح بعودتي .. أما عن المعايير المعتمدة في توزيع الأدوار ،فيصعب علي التكهن بها ،لأنها أمور تتحكم فيها شركة الإنتاج وأيضا الفريق التقني الذي من حقه أن يختار مع من يرتاح في العمل ..حتى وإن كان هذا الإختيار فيه ظلم للعديد من الممثلين الذين أصبحنا نشتاق لرؤيتهم على الشاشتين .. س : رمضان على الأبواب، وما بلغني من صدى الإنتاجات الدرامية التي ستعرض فيه، لا يُطمئن، بإختصار "خالوطة أخرى على السريع" كما العادة. وكما ندافع على الفنان، فإننا لا نقبل أن يأتي كل مرة ليبرر المشاركة فيها، بذرائع "الخبز" و "السرعة في الإنجاز" فهذا لن يُسقط عنه تهمة المشاركة في جريمة سميت ظلماً ودون خجل "الفن" نريد رأيك أستاذة في هذا العجب العجاب، وهل كنت قاسيا، حين جعلت الفنان المغربي ركناً من أركان هذه الجريمة؟ ج: لا أعتبر الفنان طرفا مشاركا في الجريمة ..بل الجريمة الحقيقية هي هذه القسوة في التعامل مع الأعمال الرمضانية ،صحيح أن تجربة السيتكومات والكاميرا الخفية والكبسولات لا تنجح كثيراً في بعث الابتسامة في وجه الجمهور ..ولكنها تجربة جديدة في مجال الفرجة التلفزية ،وهذا حال كل التجارب ،إذ لا يمكننا الحكم عليها منذ البداية ..بل علينا أن نكون صبورين عليها ونمنحها الفرصة حتى تتطور مع الوقت ..وما لاحظته ..أن السخط على الأعمال الرمضانية نجده في الغالب عند رجال الصحافة وبعض الفنانين الذين لم يشاركوا فيها ..أما المواطن فتجده فرحا بمشاهدة الممثلين المغاربة …. س : سأمنحك أستاذة خمسة أسماء، أترك لك التفاعل المفتوح معها السيدة عائشة الشنا الفنان عبد الحق الزروالي الوزيرة بسيمة الحقاوي النقابي نوبير الأموي المدرب الوطني هيرفي رونار ج: عائشة الشنا الملاك الرحيم ،بالنساء العازبات والمغتصبات بالمغرب،إنها المرأة التي كانت لها الشجاعة لمواجهة كل المغاربة دفاعا عن نساء تنكر لهن المجتمع بإسم العادات والتقاليد، والفهم الخاطئ للخطاب الديني الفنان عبد الحق الزروالي العاشق الحقيقي للمسرح والإبداع وصاحب القلم الذهبي من خلال كتاباته المسرحية، ونعْم المسرحي المثقف ،له مني كل التقدير والاحترام الوزيرة السابقة بسيمة الحقاوي امرأة بصمت مسارها الشخصي بحقيبة وزارية ولم تبصم أبدا مسارها السياسي بأي بصمة خالدة ..كانت وزيرة ولم تكن أبدا في ذاكرة اي أحد النقابي نوبير الاموي ،عاش في مرحلة عرفت ثورات عالمية حققت التغيير في العالم ،إنه من الجيل الذي تاثر بالثورة البولشفية التي سبقته في روسيا وبالثورة الصناعية في فرنسا، جسل ثورات أخرى .. جيل عاش الحيرة ومحاولة تقليد إتجاهات سياسية غريبة عن مجتمعنا، فكانت النتيجة خطابات ،بدون فعل حقيقي. هيرفي رونار لا أعرفه لأني طلقت عالم كرة القدم منذ فترة الشباب حين كنت أتابعها دائما، وكنت أجد نفسي أنفعل وأتعصب من أجل لعبة رياضية تغيب فيها الروح الرياضية ،ويحضر فيها العنف اللغوي.