عندما وصلنا إلى المدرسة ذلك الصباح البارد، وجدناها قد أصبحت أشبه بسوق أسبوعي، سيارات نقل سري و غرباء كثر، بينما الفرحة لا تسع التلاميذ و هم يتَجارَون في كل الأرجاء. سألت أول تلميذة عن ما يجري فأجابتني بابتسام عريضة: -ما قاريينش يا أستاذ! اتجهت رفقة زملائي إلى الإدارة، فوجدنا المدير في حالة ارتباك كبيرة، كان واضحا أنه فاقد لزمام المبادرة، و كان هو نفسه يحاول فهم ما يدور من القائد الفعلي الجديد للمؤسسة. -مقدم الحي! نظرنا جهته فكان مشغولا بالحديث مع أصحاب السيارات، أو بمعنى أصح كان يقدم أوامره لهم، تعجبت كيف تحول المقدم بعينيه اللتين تشبهان عينا صقر، و بوجهه المحايد تماما و الذي لا ينبئ بأي شيء، كيف تحول إلى شخص بكل هذه الأهمية! سألناه عن الأمر، فقال دون حتى أن ينظر جهتنا: -ستذهبون رفقة التلاميذ إلى الطريق لمقابلة "سيدنا"! فأجابه زميل لنا: -كان عليكم اخبارنا حتى نلبس ما يليق باللقاء و السلام على جلالة الملك! لم يستطع المقدم السيطرة على ضحكة منفلتة ثم قال: -ستقابلونه يعني أنكم ستقفون بتلامذتكم على جانبي الطريق لتحيّوه عندما يمر… سكت قليل ثم استدرك: -ستقفون على الجانب الأيمن في طريق تطوان بعد المنطقة الصناعية لمغوغة… إياكم أن تقفوا في الجهة الأخرى فهي تابعة لقيادة أخرى…. قاطعه معلم مشاكس: -أليس جانب الطريق الآخر تابعا للمغرب؟ رمقه المقدم بنظرة قاسية و قال: -هذه أوامر سعادة القايد! ثم انصرف حتى لا تضيع هيبته إذا استمر في جدالنا… انصرق المدير إلى الإدارة صونا لكرامته و قد صار تابعا لشخص شبه أميّ، بينما بقينا لساعات ننتظر أمر المَسٍير من "سعادة القائد".. فجأة بدأ المقدم يهرول في الساحة كالممسوس، فحشر التلاميذ في سيارات النقل السري، و كم كان منظرنا مضحكا و نحن نحاول التصرف كما ينبغي للأساتذة أن يتصرفوا في الوقت الذي حشرنا فيه في سيارة يفوح منها رائحة الأغنام… حين وصلنا إلى الجانب الذي كلفنا بالوقوف فيه وجدنا أن تلامذتنا الطيعين قد تحولوا إلى مردة لا يهدؤون، و عندما سيطرنا عليهم -نسبيا- باستعمال خطاب هو بين التهديد و الاستعطاف، فوجئنا بخروج عاملات و عمال معامل المنطقة الصناعية و اصطفافهم بجانبنا، و فجأة بدأت معاكسات العاملات لنا: -أستاذ أستاذ… ثم ينفجرن ضحكا. ليتطور الأمر إلى تحرش صريح: – أستاذ… وا الغزال… ما نتصاحبوش.. ما نتزوجوش؟ و للأمانة عشنا أوقاتا عصيبة و ما زاد الأمر سوءا قهقهات تلميذاتنا و هن يرين أساتذتهم في وضع مضحك… بعد قليل وصلت القوات العمومية، وقف أمامنا شرطي أسمر.طوله يفوق المترين، -من أين يأتون بهم؟ سألت زميلة لنا، فأجابها زميل لنا: -من تواركة!! يقولون أنهم كلهم عمالقة… بعد قليل اقترب الموكب الملكي، و بدأت الجموع تغلي… و عندما اقترب كانت الهستيريا سيدة الموقف، و مر الملك بسيارته السوداء الكبيرة، و لوح لنا من خلف النافذة… و فجأة انتهى كل شيء. لم نجد أثرا للمقدم و لا لأسطوله من "الخطافة"… عادت العاملات لمعاملهن، بينما كان علينا قطع مسافة طويلة حتى وصلنا بجيشنا الصغير، استقبلنا المدير بابتسامة عريضة، ثم سألنا: -استريحوا نصف ساعة قبل استئناف حصص المساء…. نظرنا إليه باحتقار.. و غادرنا… القصر الكبير في 21 دجنبر 2016