استيقظت فجرا، و وضعت "الجسم المشبوه" داخل كيس أزرق، و دسست معه عددا كبيرا من أوراق الجرائد حتى أخفي معالمه، ثم خرجت من بيت العائلة قبل شروق الشمس مستغلا الظلام و نوم "العيون المتيقظة"، غير أنني صادفت عددا من الرجال العائدين من صلاة الفجر، فاختبأت وراء شاحنة مركونة حتى لا أدنس الجمع "المبارك" بما أحمله، ثم أسرعت الخطى حتى وصلت ألى المحطة، كانت الحافلة التي ستقلنا إلى وزان لم تصل بعد، فوقفت في ركن قصي متواريا عن الأنظار، فجأة جاء زميلي و صديقي محمد، كان المسكين شاحب اللون تعلوه صفرة، لا شك أنه قد قضى ليلة بيضاء، فقد كان على علم بما أحمله، و ها هو يجد نفسه متورطا في "مشوار العار". ركبنا الحافلة و وضعنا "المشبوه" بين أقدامنا، لم نتفوه بكلمة واحدة حتى اقتربنا من مفترق طرق "أولاد المامون" حيث لاحت لنا دورية الدرك، فسألت محمد: -هل يمكن أن يعتقلونا؟ فأجاب: -لا أظن! لكن لو تم افتضاح أمرنا، فالاعتقال أرحم من مواصلة الرحلة على نفس الحافلة! كاد قلبي يتوقف و الدركي يوقف الحافلة و يصعد إلى الممر حيث أخذ يتفرس الوجوه بتمعن، اصطنعت النوم حتى لا يفتضح أمري، بينما تمكن زميلي من تجاوز "الفحص" بطريقة ما، و استأنفنا الرحلة. في محطة وزان كنا آخر المغادرين للحافلة، ثم سرنا بسرعة عبر الشارع الرئيسي للمدينة الشبه فارغ إلا من بعض التلاميذ المتوجهين إلى مدراسهم، بينما تحاشينا النظر إلى رواد المقاهي حتى لا يظهر ارتباكنا، و رغم قصر المسافة أحسسنا أننا قضينا دهرا في الطريق، و أخيرا وجدنا أنفسنا في محطة "الخطافة"، هناك التقينا بزميلنا الآخر محمد، و بسرعة انتبه للكيس و سأل عن محتواه، فهمست له بالحقيقة فوقف متسمرا، ثم قال: -واش حمقتي؟ أجبته: -هذا ما عطى الله! – لا لا خاي عادل! هاذ الشي بزاف على الجرأة و بزاف على المغامرة، عرفتي شنو غادي يوقع ليك إذا حصلتي؟ ثم أضاف: -و آش غادي يوقع لينا حتى حنا معاك؟ حاولت تهدئته، لكنه واصل: -على الأقل أعلماني بالأمر و لا تضعاني أمام الأمر الواقع! و لم يصمت إلا عندما جاء "الخطاف" حيث سارع إلى مساعدتنا دون نسيان الوعيد: -الحساب من بعد! في سيارة الخطاف الكبيرة وضعنا "المشبوه" في زاوية و جلسنا مشكلين درعا بشريا يحجبه عن أعين بقية الركاب و التزمنا الصمت، كانت نظرات القرويين تحاول اختراق أجسامنا لمعرفة محتوى الكيس، حتى أن بعضهم حاول الدخول معنا في دردشة لمحاولة فك الحصار، لكن حصوننا كانت منيعة بحيث تحطمت عندها كل محاولات "التطبيع"، و أثناء توقف السيارة ادعى أحدهم فقدان التوازن و اتجه نحو الكيس الذي أحمله محاولا الامساك به أو لمسه، لكنني أبعدت الكيس و اعترضته بكتفي و نظرت إليه نظرة غاضبة، ثم نزلنا من السيارة. في الطريق إلى المدرسة كان محمد "الثاني" لا يزال يرغي و يزبد، و لم نتخلص من صراخه إلا عندما وصلنا إلى السكن المدرسي، حيث وجدنا زميلا رابعا ينتظرنا على أحر من الجمر، فسألنا: -جيبتو الأمانة؟ ما شافكم حد؟ أجبته: -هاك! الدعوى بيك لله، تكرفصتي علينا. كان سعيدا جدا بوصول "الأمانة" غير مكثرت ب"انهيارنا" نحن الثلاثة. فأخرج "الشيء" من كيسه برفق، تفحصه جيدا و احتضنه و شمه، ثم قال: -أبلغ سلامي لأخيك جهاد، و اشكره على هذا العود الرائع! ثم سوى أوتاره و انطلق يعزف عليه و يغني أغنية جبلية شهيرة: الطبيبة بالميني جيب و الدوا الله يجيب…