(الجزء الاول) لحسن عواد نيشان صحافي ” نيشان ” تسلل بين” حمالة ” الكيف المسلحين ، دون أن يكتشفوا هويته ، وسلك معهم طريقا حافلا بالمخاطر والمغامرات عبر جبال الريف . هنا يحكي ما وقع في هذه الطريق الشاقة وقصص الرشوة والمفاوضات مع القياد والجضارمية مالمعارك الطاحنة مع قطاعين الطرق . مضى من الوقت كثيرا ، ولم تعد تفصلنا إلا دقائق قليلة ونصل إلى مشارف دوار ” تارية ” . هناك كنا على موعد مع أحد سكان الدوار . سيارة ” الخطاف ” التي أقلتنا من منطقة باب تازة الجبلية ولم يكن في إستطاعتها أن تتوغل إلى داخل الدوار ، وبعل وعورة تضاريس المنطقة . ماتبقى من مسافة سنقطعه مشيا على الأقدام . من نفس سيارة ” الخطاف ” نزل معنا بعض سكان الدوار . كان واضحا من هيأتنا أننا غرباء عن المنطقة ، لكن ذلك لم يثر فضولهم . ” سكان المنطقة متعودون على زيارة الغرباء لهم ، لذلك تراهم لايعيرون أهمية لهذا الأمر ” . يعلق (د ). دام مسيرنا في اتجاه دوار ” تارية ” حوالي نصف ساعة ، خلال ذلك كان يصل إلى مسمعنا صوت ضربات إيقاعية . التفت ( د ) إلى أحد الحمالين قائلا : ” هادو مازال كينفضو الحشيش ” . لقد وصلنا أخيرا إلى منزل ( س ) . الأخير وجدناه واقفا ممسكا بمصباح يدوي ، حيث خص ” رفاقي ” الحمالة باستقبال حار . داخل حجرة خصصها الرجل للزوار فقط ، تناولنا وجبة العشاء ودار بين الجميع حديث طويل ، كان أغلبه منصبا على تجارة المخدرات وحملة المخزن الأخيرة ، التي تسببت في إفلاس العديد من فلاحي المنطقة . كما تحدث الرجل بإسهاب عن المبالغ المالية التي جمعها سكان المنطقة لفائدة القايد من اجل غض الطرف عن زراعتهم للكيف . الحاصول كان قلبو عامر . أحس الرجل بأنه تقل بالهضرة بزاف ، فاستأذن بالخروج ليتركنا ننام . ” نخليكم تنعسو دابا ، راه تمارة الكحلة تابعاكم غدا ” . قالها صاحب المنزل ثم غادر الغرفة . وبينما استسلم (ك ) و ( ق ) وهما الحمالان اللذان رافقا ( د) للنوم ، خرج هذا الأخير إلى بهو المنزل ليدخن سيجارة . لم أكن متعودا على النوم في تلك الساعة ( التاسعة مساء ) فالتحقت ب (د ) . دار بيني وبين الأخير حديث قصير عن هذا الدوار الذي تعود القدوم إليه . استفسرته إن لم يكن مبيتهم هنا يشكل خطرا على صاحب المنزل . ” كلشي هنا معروفين بالاتجار فالمخدرات . ياك سمعتي شحال اعطاو للقايد باش يخليوهم يزرعو الكيف هاد العام ؟ ” ، أجاب ( د ) وأضاف : ” كل سكان هذا الدوار شيدوا حجرة لاتبتعد عن مسكنهم مخصصة لإيواء الحمالة وتجار المخدرات الذين يفدون عليهم ” . أطفأ سيجارته وطلب مني الدخول للنوم قائلا : غدا كاين بزاف مايتشاف ، غير وج راسك ” . كنت ممتنا جدا ل ( د ) الذي اقتنع بعد طول تردد ، أن ترافقه ” نيشان ” في رحلته ، رفقة حمالة آخرين ، ليكشف الطريق السرية التي تمر عبرها أطنان من الكيف والحشيش انطلاقا من هذه القرية الجبلية إلى غاية منطقة في غرب المملكة تدعى ” سوق الجمعة ” . كان الاتفاق بيني وبين ( د ) يقضي بان يقدمني لبائع الكيف وكذا مرافقيه الحمالة بصفتي وسيطا لأحد المهربين الأجانب أبحث عن نوع ممتاز من الشيرا لاقتناء كمية مناسبة . انطلت الحيلة على الحمالين عند أول لقاء بهما . غدا سأرى إن كان سينجح الأمر مع صاحب المنزل . الله يستر وصافي . صباح .... الكيف في صباح يوم مشرق وجميل ، قمنا من النوم على صوت صاحب المنزل الذي كان يحثنا على القيام للإفطار قبل مايبرد اتاي . بعد الفطور ، دازو مباشرة للدق الصحيح . وضع صاحب المنزل أمامنا مشمومين ديال الكيف ، وقطعة من الحشيش . ” هادي هي السلعة اللي شاف لمعلم ديالكم ” ، قال صاحب المنزل ، آنذاك اخرج ( د ) من جيب سرواله قطعة صغيرة من الحشيش وطابقها مع ماقدمه لنا صاحب المنزل ، آنذاك أخرج ( د ) من جيب سرواله قطعة صغيرة من الحشيش وطابقها مع ما قدمه لنا صاحب المنزل للتأكد من أنه ينتمي لنفس العينة . لمعلم الذي تحدث عنه ( س ) هو البزناس الذي يشتغل لفائدته هؤلاء الحمالة والذي حل ، قبل أقل من أسبوع ، بهذه القرية وعاين السلعة التي ينوي اقتناءها من كيف وحشيش وقدم ثمنها ، ثم غادر دون أن يحمل معه شيئا . الآن جاء دور الحمالة ليوصلوا الأمانة إليه . مر مشموم الكيف وقطعة الحشيش بين ثلاثة أيدي ، قبل أن يصل دوري للمعاينة . في تلك اللحظة انتبه صاحب المنزل إلى وجودي وسال عن هذا الضيف الجديد ، ليتدخل صديقي ( د ) ويخبره بأنني وسيط لمهرب أجنبي وأبحث عن كمية مهمة من الشيرا ذات النوع الممتاز . آنذاك انفرجت أسارير الرجل وأصبحت منذ تلك اللحظة ضيفه المدلل . اجتزنا الإمتحان بسلام وبدا ( س ) مقتنعا بهذه الرواية . التزمت حرفيا بما اخبرني به ( د ) في السابق ، حيث رفضت اقتناء مثل هذه النوعية من الحشيش بدعوى أنني أبحث عن ماهو أجود منها ،. أمام رفضي الشديد ، طلب مني ( س ) أن أعود بعد ثلاثة أسابيع ، وهي المدة التي سيوفر لي خلالها ما أطلبه ، . كما توسلني أن لا أقتني من أي شخص آخر . لا يحب الحمالة أن يخوضوا في تفاصيل صفقة البيع التي تمت بين البزناس وصاحب السلعة ، فدورهم الأساسي يقتضي حمل السلعة وإيصالها في أمان إلى صاحبها فحسب . لكن ذلك لم يمنع صديقي ( د ) عن الإستفسار عن الثمن ارضاء لي . حسب صفقة البيع التي تمت بين البزناس والفلاح ، فإن هذا الأخير باعه الكيلو كرام الواحد من من الكيف ب 120 درهما .، أم الحشيش فباعه إياه ب7000 درهم للكيلو كرام . ” ولكن الحشيش إلي كتقلب عليه أنت راه كيسوى أكثر من هاد الثمن ” ، همس ( س ) في أذني . ” وبشحال ؟ ” ، أسأله . ” ملي تجي نصاوب معاك ، ولكن عول على المليون ” ، يجيب صاحب المنزل . أثناء ذلك شرع أحد أبناء هذا الأخير في إخراج الكيف من داخل المنزل ليبسطه في قاعة كبيرة . ستبدأ الآن عملية وزن الكيف ، وكل حمال عليه أن يراقب الحصة التي سيحملها على ظهره ، فصاحب السلعة لن يجد أي حرج في إقتطاع ثمن أي كيلو كرام يصل ناقصا إليه ، كان صاحب المنزل كريما ومنح لكل حمال كيلو كرام واحد زيادة بمثابة إكرامية منه للحمالة . حسب صفقة البيع التي تمت بين ( س ) والبزناس ، فإن هذا الأخير اقتنى 150 كيلو كراما من الكيف ، وخمسة كيلو كرامات من الحشيش . بعد الإنتهاء من وزن الكيف ووضع كل 50 كيلو كراما جانبا ، بدأت عملية تبريد الكيف ، وذلك برشه بكمية من التبن المبلل ، تلك الطريقة التي تحفظ حبات الكيف من التساقط بفعل اهتزاز الكيس طول الطريق . في إنتظار ذلك ناداني صاحب المنزل وطلب منه مصاحبتي إلى مكان ما ، وهو يقول : ” هاديك السلعة اللي جيتي كتقلب عليها مزال ماوجداتش ” . أدركت ماقصده الرجل حين وجدت نفسي بعد فترة قصيرة من المشي وسط حقل من الكيف . “شنو الفرق مابين هاد الكيف والكيف اللي عندكم في الدار ؟ ” ، أسأل ابن ( س ) فيجيب : ” هذا النبتة ديالو غالية ، وكتجي من باكستان أو ماكنزرعوش منها بزاف . الكليان ديال هاد السلعة قليل ، لأن الحشيش اللي كنخرجو منها كتكون مزيانة وغالية ” . حسب مرافقي ، فإن ” استثمارا ” من هذا القبيل يتطلب نوعا من المغامرة ، خاصة أن السلطات شنت قبل نحو شهرين حملة ضد زراعة الكيف بهذه المنطقة استعملت فيها الطائرات التي كانت تطلق مبيدات على حقول الكيف لتقضي عليها في الحين . كانت الفرصة مواتية لالتقاط صور تذكارية مع هذا الكيف الباكستاني الذي كانت كل نبتة منه تكاد تصل إلى طول قامتي ( 1،82 متر قياس الخير ) . عدت إلى المنزل لأجد الحمالة قد شرعوا في عملية ” التشكار ” ويعني ذلك ترتيب الكيف بطريقة خاصة في الأكياس ، التي سيحملونها فوق ظهورهم ، أمضوا وقتا غير يسير في هذه العملية المعقدة نوعا ما ، أما الخمسة كيلو كرام ديال الحشيش فقد وزنت ووضعت في حقيبة ظهر تسلمها (د ) الذي كلفه البزناس بحملها . وعلاش هو بالذات ؟ لأنه الأقوى جسمانيا ، ولأنه حافظ الطريق مزيان ، والأهم من كل ذلك أنه محل ثقة البزناس . حين انتهى الجميع من عملية ” التشكار ” بدأنا الإستعداد للرحيل . كان النهار قد بلغ منتصفه . بالنسبة ل ” زملائي ” الحمالة الوقت مناسب جدا لبداية الرحلة ، خاصة أن الشمس ماضارباش مزيان . ولأني كنت لا أحمل شيئا فقد تكلفت بحمل المؤونة ، وكانت عبارة عن قارورة ماء كبيرة من سعة 5 لترات ، وثلاث خبزات وميكا حكلة لم اطلع على ما بداخلها . حين سالت ( د ) قال لي أن بها بعض الزيتون ، إيوا ملي غير الزيتون ماكاين باس . بدأنا رحلتنا ، ودعنا (س ) بحرارة وهو يدعو لنا باش ما نتلاقاوش فطريقنا مع أولاد الحرام . ” واش كيقصد المخزن ؟ ” . أسأل صديقي ( د ) فيجيب : ” ماشي غير المخزن اللي ولد الحرام فهاذ الحالة ، نطلبوا من الله ما نتلاقاوش مع القطاطعية اللي كيتعرضون لينا باش ياخذو السلعة صحة ” . الله يحفظ . ألف مرحبا بالحمال بخطوات متسارعة كان ( د ) يتقدم الحافلة ، كان أكثر تجربة ومعرفة بمسارب الطريق ومسالكها مقارنة بالحمالين الآخرين . مع اقتراب حلول الظلام ، بدا التعب يتسلل إلى أبدان الحمالة ، صوت تنفسهم السريع كان يصف حالتهم . طلب أحدهم مهلة للإستراحة . لكن ( د ) رفض ، معللا ذلك بأنهم أصبحوا ا قريبين من دوار يدعى ” جبل الشراطين ” . هناك سيأخذون قسطا من الراحة ويتناولون العشاء ثم يواصلون المسير . لم يصدر أي إحتجاج أو رد فعل من باقي الحمالة ، إذ تابعوا مسيرهم في صمت . كنت أتمنى أن يتوقفوا . أنا أيضا تعبت من المشي السريع بين الأحجار والمسالك الوعرة وخا ماهز والو . استمرينا في المسير ، قبل أن تظهر بعض الأنوار متفرقة . أصبحنا الآن قريبين من ” جبل الشراطين ” . اقتربنا منه كما لو أننا سندخله لكن ( د ) زاغ بنا قليلا عن الدوار ، قبل أن يستقر بنا فوق مساحة معشوشبة . كنت أول من ألقى بجسمه من فرط التعب . لم يدم هذا الوضع إلا دقائق قليلة ، ليناديني ( د ) ويطلب مني مصاحبته إلى داخل الدوار من اجل جلب مانأكله . لم أستطع رفض الطلب . ربما تكون هذه آخر مناسبة انفرد فيها مع ( د ) لأساله عن عدة أمور . أثناء مسيرنا بادرني هو الأول بسؤاله : ” إيوا كيفاش جاك هاد شي ؟ ” . أجبت بسؤال آخر ؟ ” واش غادي عند شي واحد كتعرفوا ؟ ” . ” فهاد الدوار ليس بالضرورة أن تعرف شخصا حتى تحصل على أكل . كل الناس هنا كرماء ولكن غير مع الحمالة ” . يوضح ( د ) مؤكدا أن أي حمال مر من هنا يحصل على مايريد من طعام وشراب حتى يلا بغا يبات ماعندهم حتى مشكل ، بشرط أن يكون مرفوقا بسلعته ، فهي ضمانه الوحيد للحصول على كل هذه ” الإمتيازات ” . وعلاش ؟ يشرح مرافقي إن غالبية سكان هذه المنطقة يعتمدون في مورد رزقهم على تجارة الكيف والحشيش ويدركون أن الحمالة هم واسطتهم الوحيدة لتسويق منتوجهم . أكثر من ذلك يقول ( د ) موضحا ، أن ” بعض شبان هذه الدواوير يعملون مخبرين لدينا ويطلعوننا على أي تحرك للدرك والسلطات حتى لا نقع بين أيديهم . ماشي بحال أولاد بعض الدواور الأخرى اللي كيتعرضو للحمالة وكيتكرفصو عليهم وكياخذو ليهم السلعة ديالهم ” . سألت ( د ) إذا كان فعلا يعني مايقول ، وما إذا كنا فعلا سنصادف مثل هؤلاء في الطريق ؟ فرد علي بكل ثقة : ” كلشي ممكن ، ياك كلتها ليك قبل مانجيو ؟ ” . دخلنا إلى دوار ” جبل الشراطين ” دون أن نثير إنتباه أحد . أمام إحدى الدور صفق ( د ) بقوة بيديه ثواني قليلة ليخرج إلينا صاحب المنزل . سلم علينا بحرارة وكان يعرف ( د ) جيدا ثم أشار إلينا بالدخول إلى إحدى الغرف، لكن مرافقي طلب منه أن يمده ببعض الأكل والماء بدعوى أننا سنستغل جنح الظلام لمواصلة المسير. دخل إلى منزله وعاد إلينا ليطلب أن نعود بعد أقل من ربع ساعة. مزيان نمشي نرتاح شي شوية . مضت الربع ساعة وأكثر بقليل وعاد ( د ) رفقة أحد الحمالين لجلب الطعام ليعودا بعد لحظات محملين بطبق كبير من اللوبيا وخبز ساخن وقارورة ماء كبيرة . انهينا العشاء وأعاد حمال آخر الطبق إلى أصحابه ثم عاد لنستأنف المسير من جديد .. يتبع مع الشكر للزميل مصطفى الوردي على النقل