مع الأنفاس الأخيرة للحكومة المغربية الحالية كثر الحديث عن إرثها الثقيل،وتركة مشاكلها الأخطبوطية التي ستكون بلا شك حجرة عثرة،ومعيقًا كؤودًا في طريق التجربة السياسية القادمة التي يرجى أن تستجيب لتطلعات الشعب المغربي،وتوفر المناخ اللازم لمجابهة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتعثرة،وتحقيق النهضة المتوخاة. لذا ليس أمام المغاربة سبيل آخر لنفض غبار الأداء الكارثي للسياسة البنكيرانية سوى الحرص بكل مسؤولية وأمانة على أن تكون تزكية الناخبين هادفة إلى إقامة تشكيلة حكومية متجانسة،ومتكاملة على مستوى المرجعيات الفكرية والمبادئ السياسية،إذ لا يعقل قيام حكومة ناجحة بأحزاب متنافرة لا يجمعها أي قاسم مشترك،كما حدث على عهد بنكيران بين حزب ذي مرجعية شيوعية ماركسية متعارضة تمامًا مع تيار حزبي مشبع بخلفية دينية محضة،الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال حول مثل هذا التآلف الحكومي بين طرفين متناقضين سوى أن يؤشر بما لا غبار عليه،لغاية انتهازية تضرب عرض الحائط بالقناعات المبدئية والقيم الفكرية والروحية،لتروم اقتناص فرصة العمر واقتسام المكاسب الذاتية العاجلة،والاغتناء الأسري والحزبي والطائفي على حساب الصالح العام وضدًا عن أزمات البلاد المستشرية. ليس من شك أن مستقبل بلادنا بحاجة إلى حكومة جريئة تمثل أساسًا مبدأ الديموقراطية الحقيقية القائمة على حكم الشعب بالشعب وللشعب،حكومة تقر بالفصل الفعلي الملموس واقعيا بين السلطات من خلال تفعيل المساطر القانونية،والأجهزة السياسية والإدارية التي تتيح لكل سلطة منها سواء أكانت قضائية أو تشريعية أو تنفيذية،أو حتى إعلامية أن تعمل بكل حرية واستقلالية على ممارسة شؤونها،وأداء مسؤولياتها وفق الصلاحيات المخولة لها دستوريا.وبذلك يمكن أن تضمن القرارات الحكومية مصداقيتها،ونجاعتها وتكون في مأمن من أية سلطة خفية تشرع،وتنفذ حسب هواها بعيدا عن المجلسين التشريعي والوزاري،لإعادة إنتاج ذاتها وتأصيل ديمومتها،بغض النظر عن إرادة المواطنين وافرازات الاقتراع الوطني. وإذا ما تأتى هذا المطلب السياسي الحيوي المتمثل في استقلالية السلطات ،وتوزيع الصلاحيات بشكل شفاف ومنسجم فإنه لن يتسنى لأي رئيس حكومة أن يتملص من مسؤولياته التنفيذية،ويتذرع أمام الشعب على زلات سياسته،وعقم إنجازه الحكومي ووباره بأنه لا يملك سلطة القرار،وليس بيده حيلة لكون حكومته تنفذ ما تمليه عليها الأجهزة الأيديولوجية للدولة،وليس ما يتمخض من قرارات البرلمان والمجلس الوزاري. فهل ستظل دار لقمان على حالها،وتستمر سياسة البلاد في الدوران حول الحلقة المفرغة ؟