يمثل تقديم التصريح الحكومي أمام البرلمان في الزمن السياسي لحظة هامة في حياة الحكومات والشعوب.لذلك انتظر الشعب المغربي بفارغ الصبر برنامج حكومة السيد بنكيران للاطلاع على معالمه الكبرى وخطوطه الرئيسية التي ستطبقها الحكومة في ميادين السياسة الداخلية والخارجية ، بهدف تسريع أوراش الإقلاع الاقتصادي، وتطوير خدمات القرب الاجتماعي، ونهج سياسة اجتماعية واقتصادية عادلة ؛ واقرار نظام فعال وعادل لتوزيع ثمار النمو الخ. ويذكرنا التصريح الحكومي لبنكيران كرئيس للحكومة الجديدة ببرنامج حكومة الراحل عبد الله ابراهيم الذي كان آخر شخصية حكومية توصف برئيس الحكومة او تحمل صفة رئيس الحكومة في تاريخ المغرب المستقل. رئيس الحكومة الحالي وحكومته تذكرنا برئيس الحكومة عبد الله ابراهيم وحكومته – مع اختلاف السياق- التي علق عليهما الشعب المغربي آمالا كبرى لبناء المغرب الديمقراطي ،لكن سرعان ما تحولت تلك الآمال الى صدمة بعد إقالة حكومة عبد الله ابراهيم في 20 ماي 1960 وإعفاءه من مهامه كآخر رئيس حكومة ذات شرعية شعبية ، ليدخل المغرب بعد ذلك وانطلاقا من دستور 1962 عهد "الوزراء الأولون" وعهد الحكومات المتحكم فيها حيث يعتبر الوزير الأول وأعضاء حكومته مجرد"موظفين سامين" يطبقون التعليمات و ليس لهم أي سلطة في وضع السياسة العامة للبلاد وتنفيذها ،مما جعل المغرب يحكمه وزراء أولون وحكومات بدون صلاحيات وبدون سلطات تنفيذية على مستوى تدبير الشأن العام ووضع السياسة العمومية. وقد استمر هذا الوضع من دستور 1962 حتى دستور 1996 الذي ستدخل على بعض فصوله بعض التعديلا ت الشكلية لكنها لم تدستر الحكومة كسلطة تنفيذية او رئاسة الحكومة كمؤسسة مبنية على مبدأ فصل السلط لرئيسها سلطات دستورية واضحة في وضع السياسات العمومية والسهر على تنفيذها. ولهذا انتظر الشعب المغربي 50 سنة لدسترة الحكومة كسلطة تنفيذية ورئاسة الحكومة كسلطة تنظيمية .اذ نص الدستور الجديد في بابه الخامس عن السلطة التنفيذية وتحدث في الفصل 87 عن كيفية تشكيلها، بل ان الفصل 107 نص عن استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. اما الفصل 89 فقد نص على ان الحكومة تمارس السلطة التنفيذية وتعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي الخ ، بالإضافة عن حديثه عن رئيس الحكومة وصلاحياته المحددة في الفصول 47 -48-68-78-87 -90-91 .يتبين من مقتضيات الدستور الجديد كيف أصبحت الحكومة تمارس السلطة التنفيذية وتتحمل مسؤولية تدبير القطاع العام والسياسات العمومية،وكيف اصبح رئيس الحكومة يعرض برنامجا حكوميا يتحمل المسؤولية الكاملة على تسطير معالمه وتنفيذه ، وبذلك دخل المغرب الى عهد فصل السلط لكنه عهد مثقل ايضا بإرث ضخم وبتحديات كبرى وبانتظارات شعبية مشروعة على أساس ان الدستور الجديد خول الحكومة ورئيسها صلاحيات تنفيذ السياسات العمومية مع ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي خضم هذه المتغيرات قدم رئيس الحكومة السيد بنكيران برنامجه الحكومي امام البرلمان وفق الفصل 88 من الدستور الجديد.واذا كان هناك شبه إجماع على بنكيران سيكون مرتاحا للتصويت الايجابي على برنامجه الحكومي، فان هناك شبه إجماع أيضا بان هذا التصريح الحكومي ستواجهه ثلاث تحديات كبرى وأساسية على رئيس الحكومة الانتباه اليها. 1- ضرورة ممارسة رئيس الحكومة كامل السلطات والصلاحيات: من اهم التحديات التي يمكن ان تعيق تنفيذ بنكيران لبرنامجه الحكومي الذي يتزامن مع الحراك المجتمعي المغربي والربيع العربي هو كيفية ممارسة سلطاته واختصاصاته الدستورية انطلاقا من مبدأ فصل السلط وتوازنها مع العمل على تعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها وتقوية مؤسسة رئيس الحكومة كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية اتجاه الحكومة والإدارات العمومية واتجاه تنفيذ البرنامج الحكومي .لقد نص الدستور الجديد على مسؤولية الحكومة في تحديد وإدارة السياسة العامة للبلاد تحت سلطات رئيس الحكومة ووضع الجهاز التنفيذي تحت تصرف رئيس الحكومة وليس تحت تصرف أي جهة اخرى وخصوصا ما يسمى ب"حكومة الظل التي تقوت بمستشارين جدد منذ تعيين بنكيران رئيسا للحكومة" حتى يتجاوز المغرب إشكالية الازدواجية في تحديد السياسة العامة للدولة هذه الازدواجية التي تعيق دمقرطة التدبير والمؤسسات . وعلى هذا الأساس فتكريس رئيس الحكومة كرئيس للسلطة التنفيذية الفعلية ومسؤول عن الحكومة وباقي المؤسسات هو تثبيت دستوري لرئاسة الحكومة ومأسستها ، لكن دسترة هذه المؤسسات وصلاحياتها لا يعني انها ستحترم في الممارسة وستطبق في الواقع لان هناك مؤشرات تدل ان صانعي هذا الدستور هم اول من يخرقونه . لكن رغم كل هذه المعيقات فالشعب المغربي يعقد آمالا على برنامج حكومة بنكيران وينتظر ان يلمس الحكومة ورئيسها مسؤولين فعلين عن العمل الحكومي وكيفية تدبيره للسياسات العامة، وهو ما يتطلب من السيد بنكيران ان يمارس صلاحياته الدستورية وان يعمل على تنفيذ ما جاء به برنامجه الحكومة، بعيدا عن التعليمات والتوجيهات الفوقية للبرهنة ان المغرب دخل الى زمن السياسي المبني على فصل الفصل . فرئيس الحكومة بنكيران له نقط قوة لم تكن لباقي وزراء الحكومات السابقة ويجب عليه استغلالها بذكاء والتي تتمثل في كل الصلاحيات والاختصاصات التي خولها له الدستور الجديد والتي نذكر منها : طلب إعفاء عضو او أكثر من أعضاء الحكومة من الملك اذا لاحظ ان هناك خللا في قطاع وزاري معين ( الفصل47)، اقتراح مشاريع القوانين( الفصل78) تقديم البرنامج الحكومي امام مجلسي البرلمان مجتمعين ( الفصل88)، ممارسة السلطة التنفيذية( الفصل 89)، ممارسة السلطة التنظيمية(الفصل90) ، تعيين الموظفين الساميين(91 الفصل)،رئاسة المجلس الحكومي الذي يتداول السياسة العامة للدولة، السياسات القطاعية، السياسات العمومية تعيين الكتاب العاميين ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية ورؤساء الجامعات والعمداء ومديري المدارس والمؤسسات العليا الخ ( الفصل92) قبل عرضها على المجلس الوزاري ، عرض الحصيلة الحكومية (الفصل101) ، حل مجلس النواب بعد الاستشارة ( الفصل104) ، لكن السؤال الذي يطرح هل رئيس الحكومة المعين بنكيران قادر ان يمارس هذه الاختصاصات والصلاحيات الدستورية انطلاقا مبدأ فصل السلط ورفض تدخل أي قوى او شخصيات أخرى او مستشاري الملك او المقربين من المحيط الملكي في سياسة الحكومة التي يترأسها بنكيران بوصفه رئيس الحكومة خصوصا بعد تعيين الملك لعدة مستشارين قد يشكلون حكومة اخرى قد تصبح هي الحكومة الفعلية في تدبير السياسة العمومية وليس حكومة بنكيران التي يمكن ان تكون حكومة تنفيذ التعليمات الفوقية ليس الا ، وهو ما سيفرغ الوثيقة الدستورية من مضمونها ويحول الانتخابات مجرد واجهة لاستهلاك ويجعل من حزب العدالة والتنمية حزبا إداريا شانه في ذلك شان باقي الاحزاب التي دبرت الشأن العام في ظل الحكومات المتعاقبة والتي كانت تنفذ ما يملى عليها من فوق . 2- تحديات الالتزام بميثاق الأغلبية والبرامج الانتخابية: ثاني تحدي يمكن ان يواجه رئيس الحكومة هو مدى احترام والتزام الأحزاب المشكلة للحكومة ميثاق الأغلبية الموقع بين زعمائها ، بالإضافة الى مدى التزام البرنامج الحكومي بمضامين الحملات الانتخابية لاحزاب التحالف الحكومي التي من المفروض ان تكون خطوطه الرئيسية ومنها التنزيل التشاركي والديمقراطي للدستور، وإصلاح الإدارة والعدالة ، وتعزيز الحكامة الاقتصادية ، وتطوير القطاعات الإنتاجية المدرة للشغل وتنمية العالم القروي ،ومحاربة البطالة وتخليق الحياة العامة وتأهيل قطاعات التعليم والسكن والصحة وتوفير الحماية الاجتماعية وتوفير مناخ الاستثمار وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتأهيل العمل الحكومي، وإعادة النظر في صندوق المقاصة وكيفية محاربة افة التهرب الضريبي من بعض القوى النافذة واللوبيات المحمية . وعلى هذا الأساس فحكومة بنكيران ملزمة باحترام التزاماتها وتعهداتها وتنفيذ برنامجها الحكومي وهو ما سيزيد من متاعب رئيس الحكومة الذي قدم برنامجه الحكومي في سياق حراك شعبي ومحيط اقليمي متأزم وأزمة اقتصادية صعبة. 3- انتظارات شعبية كبرى: انتظارات الشعب المغربي نابعة من برامج الاحزاب المشكلة للتحالف الحكومي خصوصا بالنسبة لبرنامج حزب العدالة والتنمية الذي يعقد عليه آمالا كبرى في رد الاعتبار لكرامة المواطن المغربي ، اما برامج الأحزاب الأخرى المشكلة للحكومة واعني احزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية فهي احزاب قد شاركت في كل الحكومات المتعاقبة منذ 1998 أي منذ حكومة التناوب الأول وحزب الاستقلال كان يترأس الحكومة السابقة فهذه الاحزاب المتحالفة مع حزب العدالة والتنمية يحتاط منها المواطن العادي لانها أحزاب قادت حكومات فشلت في ترسيخ سياسية اجتماعية عادلة، بل ان الحراك الاجتماعي الذي عم وما يزال يعم الشارع العام جاء كاحتجاج على حكومة عباس الفاسي وكيفية تدبيرها للشأن العام والسياسات العمومية وتمييع العمل السياسي من طرف ما وصف" بالوافد الجديد" وتزايد الفساد في دواليب الدولة ومؤسسات تدبير الشأن العام وهذا ما تقر به الكثير من التقارير الدولية. وعلى هذا الأساس فكل أمال الشعب معقودة على حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة والفائز ب 107 مقعدا برلمانيا ليكون في مستوى انتظارات الشعب لتعزيز سياسة القرب والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين عبر تعزيز الإطار المؤسساتي للرقابة القبلية والبعدية للوقاية للمرفق العمومي، واعتماد الافتحاص والتدقيق كممارسة لتطوير وترشيد أساليب التدبير، وكذا تقييم السياسات العمومية ، وتحفيز الاستثمار، وخلق فرص شغل إضافية، وتحديد خارطة طرق انقاذ الاقتصاد. امام حكومة بنكيران تحديات كبرى لكنها ليست بالمستحيلة شريطة احترام كل الفاعلين السياسيين مقتضيات الدستور وفي مقدمتها فصل السلط لكونه المدخل الوحيد لدمقرطة النظام والمؤسسات.فهل ستصمد حكومة بنكيران امام لوبيات الفساد واصحاب النفوذ وهل سيبقى رئيس الحكومة هو نفس الشخص المندفع والشرس والمشاكس من اجل الصالح العام ؟ ام ان قوى الظل سترود بنكيران ليقتنع وهو يمارس السلطة بفكرتين: المغرب يتغير ويتقدم لكن خارج الزمن الحزبي والحكومي، وبان القوى التي تكون وراء هذا التغيير لا تفرزها الانتخابات او صناديق الاقتراع بل هي قوى خفية تستمد قوتها من هرم السلطة. اذا كيف سيمارس بنكيران السلطة هل وفق مقتضيات الدستور الجديد ووفق الشرعية الشعبية التي يستمدها من صناديق الاقتراع ام انه سيستسلم في نهاية المطاف لقرارات القوى التي تشتغل خارج الوثيقة الدستورية وخارج الشرعية الانتخابية لانها تعرف ما ورث بنكيران من قنابل اجتماعية واقتصادية وسياسية قابلة للانفجار في أي لحظة هي المسؤولة عنها في الاصل وليس بنكيران؟ لكن على القوى الخفية التي ستحاول اجهاض تجربة بنكيران ان تعلم ان افشال التجربة يعني ادخال المغرب في النفق المسدود لان السؤال الذي لم يطرح بعد نتائج انتخابات 25 نونبر هو كيف كان سيكون حال المغرب اذا لم يكن حزب العدالة والتنمية هو الفائز في الانتخابات؟ كيف كان سيكون حال المغرب اذا ما تم تزوير نتائج الانتخابات يوم 25 نونبر لصالح لحزب من احزاب الادارة كما كان مخططا لذلك؟ كيف كان سيكون حال المغرب اذا لم يكن حزب العدالة والتنمية هو الذي يتراس الحكومة في هذا الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة محليا اقليميا ودوليا؟ ليكون الله في عون بنكيران .