حدث ذلك منذ ستة عشر سنة.. حيث "رصد" يوسف، الشاب "الطنجاوي" فتاة يمكن أن تكون شريكة لحياته، و رغم أنها ليست من طنجة، و رغم كونها واحدة من جيش "العروبية" الذي غزا المدينة – هي من فاس تحديدا- إلا أنه شعر أنه أمام فتاة أحلامه، كان موظفا متوسطا، و كانت مستخدمة بمؤسسة مالية، و على عكس المتوقع، لم تسقط "سلمى" صريعة مع أول سهم حب رماه العاشق الشمالي، حيث تجاهلته تماما مكتفية برميه بنظرات احتقار و استهجان… لكن كل شيء تغير فجأة، فلقد أحست "الفاسية" أن من يطلبها بهذا الالحاح لا بد أن يكون محبا صادقا و إنسانا مسؤولا و "معقولا"، و هكذا تم اللقاء… و كما في الأفلام القديمة، أحسا أن شرارة الحب اندلعت بسرعة و تأججت حتى صارت لهيبا، كان "مباشرا" إلى حد مدهش، هو لا يريد فتاة "يجرجرها" بين المقاهي و محلات "البيتزا" و رمال الشاطئ الذي تنبعث منه رائحة المجاري الكريهة، هو يريدها زوجة، و بأسرع وقت ممكن، و هو مستعد لبدء "الترتيبات" حالا، أحست سلمى أنها أمام شخص مختلف عن جحافل العشاق الذين يفرون عند أول إشارة إلى الارتباط الرسمي… في نهاية اللقاء الذي امتد لساعات، كان طبيعيا أن يطلب رقمها، فأجابت: -سجل صفر ثلاثة خمسة… قاطعها: – مهلا مهلا… أليس هذا رقم "ميدتيل"؟ أجابت: -نعم، هل من مشكلة؟! اصفر لونه كما لو أنه اكتشف أنها على ديانة مختلفة و تمتم: – أنا "اتصالات"… و تعرفين أن ثمن الاتصال بين الشبكتين المتناحرتين يفوق السبعة دراهم للدقيقة، و أنه لا امكانية لبعث "ميساج" خارج أسوار الشركة.. قالت: – و ما العمل؟ أجابها بحزم: -سيكون عليك التغيير إلى اتصالات المغرب! ردت فورا: -و لماذا لا تغير أنت إلى ميدتيل؟ و كأنما أدهشه التحدي أجاب: -لأنني لا أستطيع تغيير الرقم، كل معارفي و أصدقائي "اتصالات"، إذا غيرت الرقم و الشركة سأخسر الكثير! ثم إنني الرجل، و ألمفروض أن "تتبعيني". ابتسمت و قالت: – أنت "الرجل"!! في أي عصر تعيش، إذا كان رقمك مهما، فرقمي أهم، و إذا كان يجب على أحدنا أن يغير، فهذا الأحد هو أنت! على الأقل خذ بعين الاعتبار قواعد "الاتيكيت"! أجاب محتدا: – أصلا لماذا اخترت "ميدتيل"، ما بها "اتصالات"؟؟ تتركين فاعلا وطنيا مملوكا للدولة و تختارين شركة "لقيطة" رأس مالها آت من دول مشبوهة! "شحال فيك ديال العياقة"! أجابته: – أنت مستبد إذن.. و متخلف و متحجر و لا تستطيع الخروج من القوالب القديمة و لا من "جلباب أبيك"! ساد صمت ثقيل، قبل أن تقول سلمى في محاولة لإيجاد حل: -لماذا لا تقتني هاتفا ثانيا و تنتهي المشكلة؟ أجاب مصعوقا: -هاتفا ثانيا؟! هل تعرفين كم تكلفة الهاتف؟ هل سأنفق كل أجرتي على بطاقات التعبئة للشركتين؟ -أنت بخيل إذا! -إذا كان على أحدنا أن يقتني هاتفا ثانيا فهو أنت، فواضح أن أجرتك "تضيع" في محلات الألبسة و "الماكياج" أم أنك بخيلة؟ قالت: -ليست مسألة بخل، ماذا سيقول الناس عني عندما سيرونني أحمل هاتفين؟ هل تريد أن تسوء سمعتي و يترصدني اللصوص حتى أرضي غرورك؟ كان الجو قد أصبح مشحونا، و النظرات صارت عدائية، فقال يوسف يتحد: – أنا أو "ميدتيل"، عليك أن تختاري.. و الآن! أجابت: -ميدتيل! -وداعا إذن.. -وداعا