قد يغيب عن أذهان الكثيرين من الدعاة الذين يتقلدون مهمة الهداية و التنوير "الديني" أن الدنيا رغم هبائها و مصيرها نحو الزوال ملزمة للموجودات التي بها ، و لا تعفيهم من مسؤولية تدبير واقع وجودهم ! و يعتمد الخطيب عادة أسلوب التصوير و التمثيل من النص القرآني و الحديث بشكل يحث أغلبية المستمعين على الانزواء و التعبد المغالى فيه و أحيانا يصل الأمر بالمتأثر إلى ترك الدنيا تماما و اعتناق فكرة الجهاد….! إنها آفة الدعوة …! و لم يسبق لي أن وجدت داعية ينطلق من "الواجب نحو الحياة أولا"…. كيف يمكن لطفل صغير أن يتمثل عظمة الإله ؟ أو لإنسان بسيط أن يحتمل و يستسيغ مشاهد العذاب التي يستشهد بها كل معتل لمنبر. ؟ إن النشأة على بساط المتناقضات تنتج دائما شخصية مختلة التوازن ! فمن عاش عمرا مستكينا "للطبيعة" و "العادة" يصاب بالصدمة حين يثار على مسامعه "الدين" و كأنه مجرم رغم احتمال ان يكون أرقى وجودا من ناسك زاهد….! إن الحياة قبل كل شيء ملزمة لكل كائن بدور فيها ، كل واحد منا هو "جزء من الكل" و لن تستقيم إلا إذا نشأ الفرد على مبدأ الواجب أولا …! لو وجدنا آباءنا متدينين بالشكل الذي يشار إليه لنشأنا في تصالح مع هذا الدين الذي أصبح عدو الكثيرين ! و لم يجرؤ أحد على قول أن الأخلاق لا علاقة لها بالدين….! من حسن حظ الإنسان الذي يطرح سؤال الوجود أنه على الأقل يستشعر هول المسؤولية أمام القضايا الكبرى كالموت… فيبحث و يتقصى…. و الحكيم من لزم الحذر في كل الأحوال ! إن مسؤولية المثقف جسيمة و لا تعفيه رغم ما قد يرى حوله من تردي محبط….! نحن لبنات متراصة من أجل "تحقيق" الحياة ، يلزمنا العابد و الصانع و المفكر و البناء و الكاتب و المهندس و الشاعر و الفيزيائي و الفيلسوف ….. و لكن في جدلية إنسانية غايتها الحق و الخير !