أين نحن من قول أجدادنا المأثور : " غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون "..؟!هكذا كانت دورة الحياة في العهود السابقة،حيث ينظر الجيل السابق بعين الاعتبار إلى الأجيال اللاحقة،فيهيئ لها سبل العيش المطمئن من كافة الوجوه،غير أنه في العصر الحديث الذي نعيش أوضاعه المضطربة استحوذ على الناس هاجس النظرة القصيرة الضيقة،وطغت عليهم المصالح الذاتية،والأكثر من ذلك افتقدوا الحس الاجتماعي ووازع الصالح العام،والمبادرة إلى فعل الخير وخدمة أفراد المجتمع ككل. ولعل متأمل مدينة القصر الكبير العتيقة،لتتراءى له حقيقة إهمال الشأن العام بصورة لافتة،ويصطدم بمفارقة غريبة بين العناية الشاملة والمشهودة التي حظيت بها خلال الفترة السابقة تجلت على سبيل المثال في نقاء بيئتها الطبيعية والاجتماعية،وتميز مجالها الحضري بالانسجام والجمالية،وما أصبحت عليه في السنوات القليلة الماضية من اتساخ جل أحيائها وساحاتها الكبرى حيث يجتمع الباعة المتجولون،إلى جانب تدهور بنيتها التحتية،وانحسار مجالاتها الخضراء،وانتشار العمران الفوضاوي والترامي على الملك العمومي. فمعظم حومات المدينة وخاصة القديمة منها كانت تعج،كما يشهد بذلك التاريخ،بالعرصات والجنان الغناء،وتتدفق من آبارها المتناثرة هنا وهناك مياه عذبة قل نظيرها في البلاد.لكن ساكنتها اليوم أضحت تعاني من عدة مشاكل على رأسها ضعف الإنارة،ويزداد هذا المشكل حدة خلال الأيام الممطرة،مما يساعد في انتشار الجريمة بمختلف أنواعها،مع ما تعرفه طرق الدروب والأزقة وحتى الشوارع الرئيسية من حفر وتشققات وأزبال تشكل خطرا على المواطنين،وتقدم ملمحا قبيحا ومشوها عن الحياة البيئية والاجتماعية بالمدينة. وهكذا تبدو أزمة القصر الكبير الأثري باعثة على الحسرة،ومنبهة إلى يقظة ضمائر المسؤولين النائمين،وغيرة ممثلي المواطنين على المصلحة العامة،بعدما كانوا لا يفكرون إلا في منفعتهم فنهبوا المال العام،واكتسبوا الثروات الهائلة وأقاموا المشاريع الرائجة.فهل من يد كريمة تنقذ المواطنين من مخالب هؤلاء الدجاجلة اللصوص،وتنتشلهم من بؤرة اللامبالاة والتهميش ؟