يتداول الكثير من الأصدقاء و متتبعي الشأن المحلي لمدينة القصر الكبير نقاشا معمقا و أحيانا سطحيا (يحمل أحكام القيمة) حول دور الإعلام المحلي و طرق تغطية الأخبار و معالجتها. أولا يجب التوضيح أن خوض المواطن القصري لنقاش يلامس عمق "ماهية الإعلام" المتداول يعتبر في حد ذاته شيء إيجابي يوضح مدى التفاعل بين الملقي و المتلقي، حيث أضحى المتتبع يتمحص الجودة ، المصداقية ، و الموضوعية… يصنف الخط التحريري وفق قناعاته و يقدم نقدا بناءً لتطوير الممارسة الإعلامية المحلية. لقد تبلورت النواة الأولى الإعلام المحلي بداية مع مراسلي بعض الصحف الوطنية أو عبر تأسيس جرائد محلية و إقليمية، حيث برز مجموعة من رجال الصحافة الذي قادوا القاطرة بداية قبل نشأت الإعلام الرقمي الذي شكل قفزة نوعية في طرق التعامل مع الخبر المحلي ،كما كانت مدينة القصر الكبير من المدن السباقة في ظهور الإعلام الرقمي ذو النكهة المحلية الخالصة ،وهو ما ساهم في تكوين شريحة مهمة من المتتبعين و المتفاعلين مع القضايا التي تطرح في العالم الافتراضي و الذي ساهم موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في مد جسور التواصل بين قصراوة الداخل مع المغتربين من أبناء المدينة بينهم و بين المسئولين و صناع القرار على المستوى المحلي و الإقليمي و كذا على المستوى الوطني ،حيث أضحى للإعلام الرقمي القدرة على التأثير في الرأي العام المحلي و قوة ضاغطة حقيقية على مسيري الشأن المحلي و الإقليمي. وقبل تعميق النقاش يلحظ العديد من متتبعي الشأن المحلي انتشار ظاهرة الإعلاميين المحليين، حيث في بعض الأحيان يكون الحضور الإعلامي أكثر من الأشخاص المدعويين لنشاط، معين و هي ظاهرة أفرزها التطور التكنولوجي فيكفي كاميرا رقمية و صبيب من الأنترنيت حتى يتم توثيق اللحظة و تعميمها على مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع بث الفيديو، و تجد لها متتبعين و متفاعلين مع هذه التغطية في بساطتها ،و هذا ما أضحى يسمى بالإعلام المواطن أو صحافة المواطن و لها تسميات أخرى كالصحافة التشاركية ،و الإعلام مفتوح المصادر ،و الإعلام الديمقراطي ،و صحافة الشارع ،الإعلام الشعبي ، الإعلام البديل … و غيرها من المصطلحات الدالة على دور المواطن العادي في تشكيل الممارسة الصحافية "غير المهنية". وهي ظاهرة اجتاحت العالم مع بداية القرن الواحد و العشرين خاصة بعد إعصار تسونامي سنة 2004 حيث أصبح المواطن العادي يلعب دور الصحفي في توثيق الأحداث و نقلها للعالم، كما أن هذه الظاهرة اجتاحت العالم العربي سنة 2011 مع ما يسمى ب"الربيع العربي" و ما أفرزت من سياقات و تحولات سياسية و اجتماعية كان المواطن العادي في صلبها حيث عمل على توثيق كل المتغيرات و نشرها و أضحت موادا إعلامية تعتمد عليها أبرز الوكالات و الفضائيات العالمية. إن الطفرة التكنولوجية و ارتفاع منسوب الوعي الجماعي في البلدان العربية ساهم في ترسيخ هذه الظاهرة و ما مدينة القصر الكبير إلا صيرورة في هذا الاتجاه، حيث بدأنا نلحظ انتشار ظاهرة الإعلاميين الذين يشتغلون بشكل تطوعي في المنابر الرقمية و صفحات مواقع التواصل الاجتماعي و مساهمتهم في تسليط الضوء على مجمل الأنشطة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الرياضية التي تعيشها المدينة و كذا رصدهم الاختلالات التي تطال هذه المجالات مع محاولة تقديم حلول لها. إن اعتبار الإعلام المحلي يفتقد للموضوعية أو يرتكز على أخبار الضرب و الجرح و السرقة و غيرها من الأخبار التي تعتبر مسيئة للمدينة أو تشوه من سمعتها هي أحكام في أغلبها أحكام قيمة تفتقد للرؤية النقدية حيث يمكن مناقشة هذا الطرح عبر نقطتين الأول ذاتي مرتبط بمحرر المادة الإعلامية و الثانية موضوعي مرتبط بالمتلقي للمادة الإعلامية. على المستوى الذاتي: فإن مدينة القصر الكبير تفتقر إلى الصحفيين المهنيين وهم الذين يمتهنون الصحافة و معترف بهم من وزارة الاتصال عبر منحهم بطاقة الصحافة و تجد أغلبهم خريجين من معاهد الإعلام و الاتصال، في حين أن ما يطغى على المدينة هم إعلاميون متطوعون يعملون بمواقع رقمية أو مدونات شخصية أو مسئولين عن صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي يختلف مستواهم العلمي و التكويني و المعرفي إضافة إلى وجود عدد من كتاب الرأي المهتمين بالشأن المحلي و الذين يطعمون الحقل الإعلامي بالنقاش و محاولة التحليل، و جلهم يخصص الوقت الثالث من أجل الممارسة الإعلامية. و ما يعاب على جل الإعلاميين محليا عدم القدر على تجاوز الجنس الصحفي "الخبر" بأجناس مرتبطة بالتحقيقات و الاستطلاعات و الريبورتاجات… ضعف القدرة التحليلة للظواهر الاجتماعية التي يعتبر البعض نشرها كإساءة للمدينة كتفشي الاجرام و الانتحار أو الاتجار في المخدرات، أي ضعف القدرة على تحليل هذه الأخبار و ربطها بالواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي المعاش. على المستوى الموضوعي المرتبط بالمتلقي الذي يشعر في لاوعيه أن هناك تركيزا على مظاهر القبح و الإساءة للمدينة على حساب ما هو جميل، فإن رجل الإعلام إذ يقوم بتغطية مستمرة و دائمة لمختلف المحافل التي تشهدها المدينة كالأنشطة الثقافية وفنية و رياضية و اجتماعية… و كذا السياسية المرتبطة بممارسة السياسيين محليا و إقليميا و كذا تغطية الأنشطة المدرسية الداخلية و تسليط الضوء عليها فإن رجل الإعلام كذلك يهتم بتغطية مجموعة من الأحداث كالسرقات و اعتراض المارة و المخدرات و غيرها لكن هذا الصنف من الأخبار يلقى متابعة جيدة و جمهور عريض يهتم بهذا النوع من المقالات و إن كان منتقدا لها و يبقى راسخا في لاوعي المتلقي فحسب المدرسة الفرنسية فإن هناك ثلاث أنواع من الأخبار لا بد أن يقرأها المتلقي فور توصله بها و إن كان ينتقد جهرا مثل هذا الصنف من الأخبار وهي ما يصطلح عليه les trois « s » – الصنف الأول le sou : و هي العملة الفرنسية القديمة و في هذا الصدد كل الأخبار المتعلقة بالمال و الاختلاسات و السطو و المضاربات المالية وهذا نوع من الأخبار يثير فضول القارئ و يدفعه لمعرفة تفاصيل القضية – الصنف الثاني le sang : و هي الأخبار المتعلقة بالدم من ضرب و جرح و قتل و كذلك هذا النوع من الأخبار يثير فضول القارئ و يدفعه لمعرفة تفاصيل القضية – أما الصنف الأخير فهو le sexe : و هي كل الأخبار المتعلقة بالجنس كالاغتصاب و زنى المحارم…و هذا الصنف بدوره يثير فضول القارئ و يدفعه لمعرفة تفاصيل القضية فيما الأخبار المتعلقة بالثقافة و الفنون أو مقالات الرأي و القصة و الشعر تحضى بجمهور خاص مهتم بهذه الأصناف. إن الممارس للإعلام المحلي إذ يجد في طريقه العقبات الجسام من أجل تأدية واجبه الإعلامي المنوط به فهو يعتبر العين التي يرى بها المجتمع و القلم الذي يعبر به عن ألام و أمال ساكنة المدينة والقلب النابض بحبها ،و هي رسالة جسيمة يجب على مقتحم هذا المجال أن يكون واعٍ بها و بخطورتها فالإعلام سيف ذو حدين إما أن يصلح أو يفسد لكن الأكيد أن الكلمة هي رصاصة و الرصاصة إذا خرجت من جوف المسدس لا يمكن لها أن ترجع.