يواجه الإعلام العربي "وعلى وجه الخصوص الإعلام المغربي " في الآونة الأخيرة تحديات كبيرة، من أهمها التأقلم والتكيف مع الثورة المعلوماتية، والثورة الرقمية وتكنولوجيا الاإتصال والتواصل الحديثة، وما تتطلبه هذه التطورات الجديدة من مهارات ومؤهلات، وما تفرضه من رهانات وتحديات، تحتم على القائم بالاتصال والتواصل إتقانها والتحكم فيها، واستغلالها بالشكل الجيد واستغلالها والتفاعل معها على أحسن وجه من أجل البقاء والمنافسة داخل الساحة الإعلامية المحلية والدولية. لهذا نجد السؤال الذي يفرض نفسه علينا، إلى أي مدى استطاعت المؤسسات الإعلامية المغربية والعربية أن تستفيد من التكنولوجيا الجديدة لتستغلها على أحسن وجه لتحسين وتطوير أدائها اتجاه قضايا المجتمع في الوطن والأمة العربية والتصدي للصور النمطية والتشويه والتضليل الذي يتعرض له الوطن والمواطن العربي، وبالأخص المواطن المغربي لكونه الأقرب إلى المجتمع الغربي (اورويا)، والمسلم والأمة العربية والإسلامية برمتها ؟ وهل استطاعت الصحافة الرقمية ومستعملي شبكات مواقع التواصل الاجتماعي تسخير التكنولوجيا الجديدة لاعتمادها طرق جديدة في ترسيخ الشفافية والديمقراطية الإعلامية والسياسية من أجل الصالح العام، ومن أجل الرقي والتقدم وتوفير الفرص المختلفة والعديدة للفرد في الوطن للنقاش والحوار والتفاهم وإبداء الرأي والاختلاف في الرأي من أجل تكوين رأي عاما مستنيرا، قويا، فاعلا يساهم في صناعة القرار السليم والرشيد؟ تمثل ظاهرة الصحافة الالكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي أحد أبرز المستجدات التي أحدثت ثورة في عالم الإعلام والتواصل في وقتنا، وهي ظاهرة أفرزت العديد من التحولات والتغييرات في الإعلام بمفهومه التقليدي، سواء من حيث المضامين أو المفاهيم أو الأشكال أو طرق تناول المواضيع والتعامل مع متصفحيها بمختلف توجهاتهم، و رغم كل هذا التحول، و التزايد السريع لعدد من الصحف المحلية والوطنية وحتى العربية منها المتوفرة على الانترنت، نلاحظ ضعفها وبعدها عن المفهوم العلمي المتكامل والتفاعلي للصحافة الإلكترونية. هذه النقائص ونقاط الضعف على مستوى استيعاب واستغلال صحافة الرقمية من قبل المؤسسات الإعلامية، تطرح عدة تساؤلات وتحديات من أهمها: نوع وطبيعة العلاقة بين الوسائل التقليدية والوسائل الإلكترونية الحديثة، فرص التكامل، المضامين وأساليب المعالجة والإخراج، القضايا التسويقية والإعلانية، طبيعة التشريعات والقوانين والأسس التنظيمية. وكذلك المواثيق الأخلاقية ومواثيق الشرف التي يجب أن يعتمدها ويعمل وفقها كل من القائم بالاتصال والتواصل والمؤسسة الإعلامية ككل. إشكاليات جديدة وقضايا مستجدة يجب معالجتها والنظر فيها ومناقشتها من أجل الاستفادة والاستغلال الأمثل لصحافة الالكترونية وإيصال الخبر للمواطن بكل أريحية ومسؤولية . والكلام عن الصحافة الالكترونية يقودنا للكلام عن ضعف خدمات الانترنت وبالأخص في المناطق القروية، والسبب راجع إلى تدني البنية التحتية للتكنولوجيا؛ حيث نلاحظ أن الانتشار والاستخدام أقل بكثير من المعدلات العالمية. فالصحافة الالكترونية بمفهومها العلمي فرضت وما زالت تفرض نفسها على المؤسسات الإعلامية والقائمين بالاتصال والقارئ والمجتمع ككل، ولذا يجب على المؤسسة الإعلامية أن تتبناها وتؤمن بها وتمارسها في الميدان، وإلا فستجد نفسها خارج المنافسة وخارج الفضاء الإعلامي محليا وإقليميا … فالصحافة في عصر الموجة الالكترونية أصبحت تستخدم أشكالا متنوعة من الرسائل الإعلامية التي لم تعد تعتمد على النصوص فقط، وإنما أصبحت تتضمن الصور والفيديو والصوت، كما طرأ تطور ملحوظ على الجمهور (القارئ) الذي أصبح بإمكانه أن يتفاعل مع الرسالة، ويختار ما يريد وأصبح مبادرا ومتفاعلا مع مصدر الرسالة، كما انه أصبح فاعل أساسي في النشر ومد يد المساعدة للمؤسسات الإعلامية، الأمر الذي يجعل منه مستهلكا إيجابيا، مبادرا وليس كما كان في السابق متلق سلبي. الصحافة الالكترونية اليوم أصبحت تفرض على المنظومة الإعلامية نمطا جديدا في التفكير والتعامل مع الحدث والخبر والمعلومة، والتعامل مع المصدر ومع الجمهور. فالمهم في العصر الرقمي هو طريقة معالجة المعلومة وتوظيفها بطريقة علمية ومنهجية لإيصال رسالة تخدم مكونات المجتمع وتخدم العلم والمعرفة، سواء على المستوى المحلي، الإقليمي أو الوطني. فالحوار بين الحضارات والثقافات يتطلب قدرة ومهارة كبيرة في إيصال المعلومة ووضعها في سياقيها الصحيح. فالصحافة الالكترونية بحاجة إلى صحافيين يتمتعون بمهارات جديدة ومفاهيم جديدة في المحتوى والشكل والإخراج والتعامل مع القارئ. وهذا يعني أن المنابر الإعلامية وأقسام الصحافة والإعلام بحاجة إلى وضع خطط واستراتيجيات للتعليم والتدريب والتأهيل بهدف الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا الجديدة للاتصال والتواصل الإيجابي والفعال مع المفاهيم الجديدة لمواقع التواصل . فالصحافة الإلكترونية ليست مجرد وضع الجريدة الورقية على الشبكة العنكبوتية وإنما هي تقنيات وممارسات أخرى عديدة تجمع الصوت والصورة والحركية والتفاعلية أكثر في ظل التطور التكنولوجي الحديث. وهذا يعني أن القائم على التواصل داخل الجريدة الإلكترونية يحتاج إلى مهارات ومؤهلات جديدة تسمح له بالاستغلال الأمثل لكل ما تحتوي عليه تكنولوجيا الصحافة الإلكترونية من تقنيات وخدمات وتسهيلات للمرسل من جهة وللقارئ والمستهلك من جهة أخرى.لكن أحيانا -للأسف- ما نلاحظه في الساحة الإعلامية هو الضعف الكبير في استغلال الإمكانيات والوسائل العديدة للصحافة الإلكترونية، فمعظم ما هو موجود على الشبكة ما هو إلا مجرد وضع النسخة الورقية على الشبكة . فالإعلام الإلكتروني ما زال ضعيفاً، والصحف الإلكترونية ما زالت ضعيفة في استغلال التقنيات الإلكترونية الجديدة في مجال الوصول للقارئ من خلال التقنيات المختلفة التي توفرها الشبكة العنكبوتية للمؤسسات الإعلاميةن كما نلاحظ من جهة أخرى عدم تفاعل أقسام الصحافة والإعلام والتواصل الجماهيري بطريقة جيدة وفعالة مع التكنولوجيا الجديدة؛ من خلال الاعتماد على مناهج دراسية يعود تاريخها إلى ما بعد الثورة التكنولوجية الحديثة. ومازال الصحافي يفكر بمنطق وأسلوب الصحافة الورقية؛ حيث أنه ما زال يعتمد على الطرق التقليدية في جمع المعلومات، والاتصال بمصادر الأخبار، وكتابة المادة الإعلامية،رغم أنه في ظل التطور الحديث ما عليه إلا التواصل مع مصادره بشكل سريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة وأخذ المعلومة من حسابات المسؤولين … ، فالصحافة الإلكترونية مازال ينظر إليها -من طرف نسبة كبيرة من القائمين بالتواصل والمشرفين على الصحف- بأنها نسخة طبق الأصل للنسخة الورقية تقدم للقارئ على شبكة الانترنت الذي يتعذر عليه الحصول على النسخة الورقية أو الذي يفضل الإبحار في الشبكة العنكبوتية لقراءة الجريدة. هذا الموقف لا يخدم الصحافة الالكترونية على الإطلاق؛ لأن المبدأ والأسلوب والطريقة والهدف يختلف بين الجريدة التقليدية و الجريدة الإلكترونية. هل بإمكان الصحافة الإلكترونية التخلص من القيود والضغوط والمشكلات التي عانت منها الصحافة التقليدية خلال العقود العديدة الماضية ؟ أم أن الأنظمة ما زالت وستبقى تتحكم في خيوط المواد الإعلامية سواء كانت ورقية أم إلكترونية أم غير ذلك؟ أم أن الطرق الجديدة أي الإلكترونية والتكنولوجيا الحديثة ستسمح للمؤسسات الإعلامية وللقائمين على التواصل من التخلص شيئا فشيئا من الرقابة والقيود والضغوط؟ إن مفهوم الصحافة الإلكترونية لا يقتصر على تبني التكنولوجيا الرقمية والتجهيزات المتطورة، بل هو نمط جديد يقوم على الشفافية والديمقراطية في تناول الخبر وإيصاله للجمهور من خلال الاستخدام والاستغلال الأمثل والسليم للتقنيات الرقمية المختلفة. هذا التحول الجديد يطرح تحديات عديدة أمام الصحافة المحلية، لكن في نفس الوقت يوفر لها إمكانيات هائلة لتحقيق الرسالة الملتزمة الهادفة والوصول العقلاني والرشيد للقارئ المحلي والأجنبي من أجل إبراز الحقيقة وتقديمها للرأي العام محليا وعالميا، ومحاربة بذلك كل أشكال التشويه والتضليل والتلاعب بالعقول والعواطف. فيا ترى هل تتوفر الجريدة الالكترونية ببلداننا العربية على شروط كسب رهانات وتحديات الثورة الرقمية الحديثة ؟ وهل المجتمع المغربي والعربي عامة جاهز للتفاعل بطريقة إيجابية، رشيدة وفعالة مع الصحافة الإلكترونية والثورة الرقمية؟ أسئلة جوهرية يتحتم طرحها والنظر فيها بإمعان إذا أردنا كسب الرهان وكسب أهم معركة، معركة الكلمة والصورة.