لم يكن ليمر المهرجان الدولي للعود بتطوان الدورة الثالثة عشر، والذي ضم عشرين فنانا من تسعة دول من ثلاثة قارات، دون أن يخلف وراءه عبقا باهرا ونجاحا لفت انتباه عشاق العود الحقيقيين الذين حجوا من مدن مغربية ودول أخرى إلى مدينة تطوان دون أن يخلف معه نبض آلة العود، سلطان الوتريات، الآلة الموسيقية التي شخصت حضارات متعددة في هذا اللقاء والتي صاحبت المهرجان هذا العام على بساط شعاره "ثقافة الاعتراف"، الاعتراف بعمق التراث المغربي، وأطلسه الشامخ الذي يحرسه محمد رويشة، أمير الوترة وأحد أعمدة الموسيقى المغربية الأمازيغية الذي كان ضيف هذا المهرجان. وقد كان المحتفى به في أيامه الثلاثة أمام وقفة اعتراف للمجهودات التي قدمها في مجال الموسيقى لمكون مهم من مكونات الهوية المغربية: المكون الأمازيغي. أما ما ميز اليوم الأخير من المهرجان فهو حضور الفنان العربي الكبير لطفي بوشناق في روائعه وأغانيه التي وقف لها الجمهور وقوفا وتصفيقا لأكثر من مرة في كل مقطوعة. ولعل ما ميز هذه المقاطع التي برع في أدائها لطفي بوشناق هذه المرة هو الحمولة العميقة لرسائله الموسيقية الإنسانية المستوحاة من ثورة محمد البوعزيزي، والتي انتصبت من مدينة سيدي بوزيد، أنشدها بأوبرا سينما اسبانيول على هامش هذا المهرجان ، خاصة في رائعة الأولى " أنا حبيت"، وأغنية "لاموني اللي غاروا مني"، التي حاول من خلال جانبيها الأنثوي والذكوري، والعلاقة الفاصلة بينهما من حواء وآدم، إرسال عدة رسائل ثورية، من الحلم إلى الحب إلى الحرية، ومن تونس إلى مصر ولييبا وسوريا فدول عربية أخرى... في قالب واضح وقف له الجمهور تصفيقا. كما حمل صوت لطفي بوشناق عدة رسائل أخرى في قالبه الموسيقي الأوبرالي، خاصة في المقطوعة التي أهداها للفنان المغربي حسن مكري في بداية الحفل، وأيضا القصيدة الثورية الطويلة التي أهداها بعد نهاية الحفل للشاعر المغربي أنس الفيلالي، والتي تميزت هي أيضا بعمقها وإيقاعها الذي لايستطيع غير لطفي بوشناق الغوص فيه، القصيدة التي صفق لها في أكثر من مرة، العديد من الحضور الذين تهافتوا لالتقاط صورة مع الفنان بوشناق. وعلاقة بذلك، فقد نشر الشاعر أنس الفيلالي، في الأيام الأولى من الثورة التونسية، بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وبعدها جريدة السفير اللبنانية وصحف عربية أخرى، صرخته حول الكتابة المغربية لحدث الثورة التونسية، حين كتب: "قرأت مؤخرا مقالا للأديب محمد برادة موسوما ب "ثورة تونس تسائل المثقفين العرب"، وربما حسب اطلاعي انه المقال الجدي الوحيد للمثقفين أو الأدباء المغاربة في الموضوع، بعد كتابات الأديب المغربي محمد سعيد الريحاني". واستطرد في حديثه، أن تغاضي الكاتب المغربي عن ثورة شعب تونس، له خلفياته السياسية و الفكرية دون شك، وهو الأمر الذي يجعلنا نتسائل عن هذا التغاضي القصدي أو غير القصدي، وهذا ما ذهب إليه الأديب المغربي محمد سعيد الريحاني في مراسلة خاصة بيني وبينه، وذلك قبل نشر مقال الأديب محمد برادة في جريدة الاتحاد الاشتراكي بأيام. وقد اتضح لي أن حياة محمد سعيد الريحاني قد قلبت رأسا على عقب، بعد ثورة تونس الشعبية، فتبددت أحلامه وكتاباته وحكاياته. وفي معرض إجابته على أسئلتي بخصوص غيابه عنا أوضح: " كنت منشغلا بكتابات عدة مقالات حول دعم الثورة التونسية، ثورتنا جميعا، ولو أنني لم أقرأ لحد الساعة لكاتب مغربي واحد كتب عنها داعما ، ويبدو أنني كنت أعرف ذلك قبل سنوات، فعندما كنت أعد أنطولوجيا الحرية، عشرات الكتاب ودوا المشاركة فيها ولكنهم وجدوا الأمر صعبا أن يكتبوا عن الحرية .. تصور كاتب لا يستطيع الكتابة عن الحرية. ترى عمادا يكتب الكتاب المغاربة؟ هل هي مجرد رغبة لملء الفراغ؟ أم هو حب الظهور؟ أم هو الخوف الواهم من السلطة؟ أم ماذا؟ بدأت أكره الكتابات المغربية الجوفاء وأخشى بدافع هذا السخط أن أوقف صداقتي بالقلم في يوم من الأيام ، فليس هذا هو مجتمع الكُتاب كما حلمت به.". ليؤكد الشاعر أنس الفيلالي من خلال ما سبق، أن واقع الكتابة المغربية عن ثورة تونس الشعبية، التي استقبلتها بحشمة، وتعاطت معها بفتور إبداعي وإنساني وقومي، إن دلّ ذلك على شيء، ، فإنما يدلّ على أننا مجتمع لا يقرأ، و هذا يعني أننا لا نتفاعل ولا نتضامن ولا ندعم مستقبلنا، ولا ننغمس في قاطرة تغييره، وهذا يطرح إشكالية أهمية الكتابة، ودورها في التغيير".