الكذب كله - مهما صغر - يُعد من الكبائر في الإسلام، بل هو من أقرب المعاصي إلى الكفر. قال تعالى {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُون} [النحل: 105]. ثم تشتد فداحة الكذب، بحسب مضمونه، وآثاره، ومكانة صاحبه، وعدد المتضررين منه... من ذلك ما جاء في صحيح الإمام مسلم، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر». فحين يكون الكذاب ملكا ورئيسَ دولة، فإن كذبه يصيب أمة كلها بالضرر ويصِمُ منصبه بالخزي والصغار. فليس كذبه مثل كذب شخص مستضعف خائف على نفسه، وليس ككذب شخص على شخص. كذب الملوك على قدر مُلكهم ونفوذهم ومسؤوليتهم، فعلى قدر أهل الكذب تأتي الأكاذيب. وحين يكون الكذب موجها ضد حقوق الناس ودمائهم وأعراضهم وحرياتهم، فإنه يسمى شهادة زور، وهي في جميع الأحوال من أكبر الكبائر، كما صنفها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا لو تعلقت بحرمة شخص واحد أو حق واحد من حقوقه، فكيف إذا أصاب زورها وشرها الآلاف والملايين من الناس. مناسبة هذا الحديث هي حديث الساعة، أعني الاتهامات الكاذبة لجماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة إرهابية. فالانقلابيون وزعيمهم يتهمونها ويحاكمونها بتهمة الإرهاب، وكبراء آل سعود - من ذوي الثمانين والتسعين عاما - يتهمونها بالإرهاب، ويبذلون النفيس والخسيس للقضاء عليها. والنظام السوري يتهمها بالإرهاب منذ عشرات السنين، وآل نهيان وقائدهم خلفان يتهمونها بالإرهاب ويُقسمون على استئصالها بكل ما يملكون... وأما شهود الزور من الصحفيين والخصوم الحزبيين، من الصغار والمتوسطين، فحدث ولا حرج، أبواق وأجواق. عشرات الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين - من مصريين وسوريين وغيرهم - بنوا دول الخليج طوبة طوبة؛ فهم المعلمون، وهم الأساتذة الجامعيون، وهم الأطباء والممرضون، وهم القضاة والمهندسون، وهم المستشارون المؤتمنون، ورجال الأعمال المثاليون. هكذا هم الإخوان المسلمون منذ نصف قرن، في السعودية والإمارات وغيرهما، ولم يتهم واحد منهم بالإرهاب والعنف... لم ثم فجأة وبدون مقدمات ولا سوابق، يتحولون - على ألسنة ملوك ورؤساء ووزراء - إلى جماعة إرهابية تعلَن الحرب عليها سرا وعلانية. لم يكتف كبار القوم بالكذب الغليظ على الجماعة، بل أصبحوا يقولون للجنرال السيسي ويستعجلونه: اقتل ونحن نمول، أرحنا منهم واطلب ما شئت. الإخوان المسلمون - بسبب موجات الاضطهاد التي تلاحقهم من الحكام الظلمة الفاسدين المستبدين - انتشروا في كل أنحاء العالم، في الدول العربية والأوروبية والأمريكية، وهم معروفون بأشخاصهم وشخصياتهم ومؤسساتهم ومشاريعهم، منذ عشرات السنين، فكيف يريدنا شهود الزور - من درجة ملك ورئيس ووزير - أن نصدقهم في اتهامهم لهم بالإرهاب والعنف والقتل؟ لقد أصبح العامة والخاصة يعرفون الأسباب الحقيقية لهذه الافتراءات والأكاذيب، ولهذه الحرب الظالمة المظلمة، إنها حرب على تحرر الشعوب وإرادتها، وحرب على التقدم والنهضة، وحرب استباقية ضد بناء نموذجِ حكم راشد عادل ناجح جذاب، سيفضح أنظمة الظلام والتبعية والسلب والنهب.