اليوم سَفَرٌ مخمورُ و غدا جمرٌ وكأسي الجائع يحملني كالمطر الضرير بأيد قُطنية العنقُود هناك في الركن الرمادي ينتظرني طه حُسين يلبس النظارة السوداء و يشربُ قهوته السّادة و يصحّح الجزء الرابع من "الأيام" بقلم أحمر والمعرّيُّ يبحثُ عنّي كعادته يحملُ في يديه الطّبعة السابعة و الستين من "رسائل الغفران" و ورقة يانصيب خاسرة ينتعلُ حذاءه الرياضي كأستاذ فلسفة حداتي و يطلُبُ عصيرا باردا و الجاحظ هناك يجمع البخلاء كلّهم حوله ويطلُبُ جعة رخيصة عرفتٌ منهم كاتبا طويلا جدّا يكتب القصّة القصيرة جدّا و بعد قليل يصلُ أحمد مطر بمطريّته المبلّلة هاربا من العاصفة بعدهُ يدخُلُ همنغواي مهرولا بقميص نوم رفقة عجوز يبدو عليه غبار البحر يا صديقي إرنست لا تترك هذا العجوز يساوم كلماتك بالانتحار ففي عينيكَ لا زال الموج يقبّلُ طفل ا ل شّ ر ا ع و انتحرتَ مثلي تماما حين صرت َ شاعرا بدون ق ص ي د ة فلو كنت بُحت بسرّك لي،يا صديقي، لأعرتُك ديوانا كنتُ منقذه من حبل المحرقة غارقٌ أنا حتى الثمالة في مدادك أيها الحُلم فبقليل من الألم و قلم صارت قهوتي خ م ر ا و جاء رجلٌ من أقصى الحانة يتبعُه رجُلُ الكاميرا و ساعي البريد " حسبُكَ أن تقرأَ السّيناريو " " و لا تخرج عن النّص" قال مُخرجُ المسرحية ، فتلوتُ جهراً ما شيء لي قبل أن يُرفع السّتار و قرأتُني بكلّ الأخطاء النحوية و الجروح المطبعية فالنصُّ قد كُتب قبلَ أن يخترعَ سيبويه الجريمة ها أنا ذا في مطار بابل أنتظرُ المصعدَ في الطابق الأخير من طروادة أقرأُ في الصفحة الأولى من صحيفة :The Daily Mirror خبرَ مقتل مُخرج في حاذت مروري قرب حانة منسية و قرأت فيما قرأت قصة تشبهني تماما: "كلّ موظفي المطار أصبحوا يعرفونه. هو يسكن ُالطائرة والجامعة هم لا يفتّشُون حقائبَه. حسبَ أنه يستطيعُ أن يهرّبَ العُملةَ فكّرَ قليلاً قرّرَ يكفيه أن تسافرَ في عينيه العيونُ الحائرة"