يرتبط الإنسان ارتباطا عضويا بالبيئة الطبيعية، ولا يمكنه أن يعيش خارج غلافها، أو يحافظ على وجوده بعيدا عن مكوناتها، فهي فراشه وغطاؤه، وهي شرابه وغذاؤه، وهي ملعبه ومدفنه، وهي نعيمه وشقاؤه، وهي أمنه وخرابه. فالبيئة الطبيعية توفر للإنسان عناصر وجوده، وسلامة صحته، وبقدر ما يحقق الإنسان التوازن في علاقته مع بيئته، عناية بها، واستفادة منها، بقدر ما يضمن سلامة البيئة وسلامته، صلاحيتها وسعادته، أما إذا أساء استغلالها فإنه حتما سيدمر كيانه، ويهدد بالعدم وجوده. لذا فإن غياب الوعي بالتربية السكانية، وعدم حسن استغلال الثروة البيئية يعجل بتدمير البيئة الطبيعية، ويجعلها والناس عدوين شرسين، يدفع كل منهما الآخر إلى التشويه، والموت والفناء. فالإنسان جريا وراء المنفعة والمال اغتال ملايير الأشجار، ومئات الغابات، وأعدم ما لا يحصى من الحيوانات، لينعم بفروها أو عاجها...! فاختل التوازن البيئي في عالم الكائنات الحية، وانقرضت حيوانات، واجثتت غابات، وزحفت الصحراء على الأراضي الخصبة، فجف الضرع وقل الزرع، وانتشرت آفات المجاعة والكوارث والأوبئة، كما نفث الإنسان سحبا عبر دخان المصانع والسيارات، ورمى آلاف الأطنان من النفايات، دون أن يراعي سلامة البيئة ومصلحة الناس، فسمم الأنهار والبحار، ولوث الجو، واغتال آلاف الكائنات الحية، ودمر كثيرا من عناصر الوجود، وأسلم نفسه إلى الأمراض والموت البطيء. فالإنسان مطالب قبل أي وقت مضى بأن يتوقف لحظة، ويفكر بعين العقل، وهو مطالب أيضا بالتخلي عن منطق السطو والإستغلال البشع للموارد الطبيعية، وأن يراجع علاقته ببيئته، ويصحح حساباته الخاطئة، ليضمن سلامته واستمرار وجوده في بيئة سليمة. فالجميع مسؤول عن تدمير البيئة وتلويثها، ولهذا يجب أن تنطلق أفقيا حملة شاملة من أجل التوعية البيئية والتربية السكانية، وتتظافر جهود الأسرة والمدرسة وكافة المؤسسات الاجتماعية، والجمعيات المهتمة بالبيئة وحقوق الإنسان، وكل وسائل الإعلام، وتتحمل مسؤوليتها في حماية البيئة والناس من الأمراض والتلوث والدمار، وكذا لتحقيق التوازن الطبيعي المنشود. ملحوظة: نظرا لاستمرار ظاهرة اغتيال البيئة بالقصر الكبير آثرنا نشر هذا المقال من كتاب "بين جفون الذاكرة" للأستاذ محمد الموذن