غالبا ما تسير شؤون مدينة القصر الكبير الإدارية على مستوى الجماعة المحلية عبر جهاز الهاتف، ولذلك تعرف اضطرابا كبيرا في مجلسها البلدي، وصراعا شديدا من أجل المناصب، وتنافسا مريرا من جراء الصراع للفوز بالامتيازات والمكاسب، وفي غياب يكاد يكون مستمرا لرئيس الجماعة المحلية، بسبب إقامته الشخصية بمدينة طنجة عروس الشمال، أو بمدينة الرباط، أو بسبب تردد سيادته على العاصمة، لحضور جلسات البرلمان، بين هذا وذاك تضيع مصالح السكان، وتتكرر محاولات الردة والعصيان من طرف أغلبية ائتلافية، فيعاد بطريقة أو بأخرى استقطابها وإرضاؤها على طاولة المفاوضات والتنازلات والولائم...!. ولنفترض أن مواطنا - لمصلحة عاجلة - أراد الاتصال بالسيد رئيس المجلس البلدي، فلا سبيل له إلا أن يرفع سماعة الهاتف ويصيح المواطن: "ألو" السيد الرئيس الرئيس: من على الخط؟! المواطن: مواطن عرقلت مسيره الحفر وأكوام القمامات والأزبال، وخنقت أنفاسه الروائح الكريهة، ولطخت أحذيته الأوحال، فهل سيدي الرئيس بطنجة نفس الأحوال؟. الرئيس: من تكون؟، هيا تكلم المواطن: أنا ممن أعطوك أصواتهم يوم الاقتراع، ومنحوك تأشيرة العبور إلى قصر البلدية، وقبة البرلمان، ووقعوا معك الميثاق الوطني بين الناخبين والمنتخبين. وفجأة انقطع الصوت، وانقطعت معه حرارة الهاتف، وعلق الحوار و"التواصل"، فقلت: آه يا بلدي!، آه يا وطني! المواطن: "ألو" السيد الرئيس الرئيس: نعم من أين تتكلم؟، خلصني بسرعة! المواطن: أتحدث إليك من مدينة عريقة أصيلة، ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، تموت عطشا بين أحضان سد وادي المخازن، تندحر ثقافيا وهي التي أعطت الموسيقار عبد السلام عامر، والشعراء محمد الخمار الكنوني، وحسن الطريبق، والمهدي الطود، وأحمد الطود، ومصطفى الطريبق، وعبد السلام دخان، ومحمد عفيف العرائشي، والصديق الشاوي، ووفاء العمراني، ووداد بنموسى، وأمل الأخضر، وأمل الطريبق، ومحمد العناز، والمؤرخ محمد بن خليفة، والدبلوماسي إدريس الضحاك، والبروفيسور في جراحة الدماغ مصطفى العزوزي، والروائي مصطفى الجباري، والقصاص مصطفى يعلى، والفقيه العلامة أحمد الريسوني، والداعية الكبير الأستاذ البشير اليونسي، والتشكيليون محمد البراق، وحسن البراق، وعبد السلام القوسي، وأحمد الصابر، ومصطفى الهبيشة، ويوسف سعدون، وعبد الخالق قرمادي وباقي أفراد عائلته، والمختار غيلان، والرياضيون عبد السلام الغريسي، وبدر الدين الموذن، وعبد السلام الدومي، وعادل الكوش، وعبد الله بحار،وأمين الشنتوف، والباحث محمد أخريف، وموثق ذاكرة القصر الكبير الشريف محمد العربي العسري، وغيرهم كثير تعيش بين غلاء "الفاتورات"، وانقطاعات متوالية للماء والكهرباء، لقد تربينا جميعا - أنا وأنت- في نعيم خيراتها، وتعلمنا في مدارسها الأهلية والقرآنية والعصرية ومعاهدها، وأخذنا الكثير عن علمائها وفقهائها كالفقيه عبد الله الجبارى، والفقيه محمد التطواني، والأساتذة علال الكشوري، وأحمد السوسي المرتجي، وعبد القادر الساحلي، وبوسلهام المحمدي، ومصطفى اليعقوبي، والخليل أطاع الله، وعبد القادر الطود، وعبد السلام بن مسعود، وأحمد البجنوني أبو الوفاء، وأحمد القزدار، والحاج مياح، وسي إدريس الحراق، فلا يجمل بنا بعد هذا كله أن نهجرها، وقد قيل: "قطران بلادي ولا عسل البلدان". وبعد أن ارتشف قهوة الصباح بمقهى فرنسا، وجال سيادته حول أعمدة الجرائد التي اقتناها بالقرب من مقهى "زاڱورة" لمعرفة قضايا العالم الساخنة بدل معرفة مشاكل جماعته المحلية، وهموم سكان مدينته رد بصوت هادئ: هل ترغب في المصادقة على تجزئة سكنية؟، أو في مناقصة أو رخصة تجارية؟، إن كنت كذلك، فأنا في انتظارك. المواطن: لا سيدي الرئيس، أنا شاب مثقف "مهنتي" البطالة، أعياني الوقوف بباب مكتبك، وأرهقني انتظار مقدمك، أريد فقط جوابا عن مطلبي، فكلما سألت عنك أخبرني أعوانك: إنك مسافر، مسافر، مسافر!. الرئيس: إذن انتظرني مع المنتظرين، ربما أنا قادم غدا أوبعد غد. أدرفت دموع الخيبة والأسى، وقلت بصوت حاد: آه يا بلدي! آه يا وطني!، وقالت أمي: آه يا ولدي. المواطن: "ألو" السيد الرئيس الرئيس: "ألو" نعم، من على الخط؟ أحد نواب رئيس المجلس البلدي: أنا لست على الخط، ومع ذلك، ورغما عن أنفك، فأنا أحد نوابك، أخبرك أن السلطة المحلية قامت بإجراءات فعالة لتطهير المدينة وتنظيفها من الأوساخ، وجمع الأتربة المتراكمة في الشوارع، التي تهاونا في جمعها، فقد دشنت ورش عمل لجمع الأزبال من الأزقة والشوارع، وقامت بإعادة تنظيم التجارة والأسواق، وترتيب حاجيات المدينة، فماذا نحن بعد الآن فاعلون؟. الرئيس: كعادتنا سنركب الأمواج مع الراكبين، ونتبنى تلك القرارات والإصلاحات في المحافل، ولاشك أنك حضرت -رغم سخطي عليك- الاحتفال الذي نظمته السلطة المحلية بتنسيق وتعاون مع مجلسنا الموقر على شرف المشاركين في الإحصاء العام للسكان والسكنى، بتاريخ 21/09/1994 بالمنزه البلدي، فقد سمعت ورأيت كيف سرقت الأضواء، واحتكرت الكلام، وكنت فارس اللقاء، فاستملت القلوب، وانتزعت التصفيق، ولاسيما عندما واعدت رجال التعليم بمنحهم قطعا أرضية لا شعرية في تجزئتنا الخالية...! فقاطعه نائبه الأول قائلا: ومع ذلك سيادة الرئيس لم يصدقك أحد من الحاضرين الذين لوح بعضهم بالانسحاب، فالجميع اعتبر ذلك من الوعود التي تموت فوق المنابر، وملصقات إشهار لحملة انتخابية سابقة لأوانها. وبسرعة وعنف، وضع النائب المحترم السماعة، وقطع الاتصال و"التواصل"، لأنه يتكلم من الهاتف العمومي، وليس من هاتف المصلحة، بعيدا عن مقر الجماعة الذي دخله شريفا، وغادره عن طواعية، وإلى حين شريفا وعزيزا ومخلصا، وقال نيابة عن ناخبيه، وباسم سكان مدينة القصر الكبير: آه يا بلدي!، آه يا وطني!. أحد المواطنين: "ألو" السيد الرئيس.. "ألو" السيد الرئيس.. "ألو" السيد الرئيس...! لا أحد يجيب، ومواطن على الخط بين الحقيقة والواقع، والشأن المحلي، والقطيعة بين الناخبين والمنتخبين. ملحوظة: مقال صحفي تم نشره من طرف ذ محمد الموذن سابقا في كتب: "مواطن على الخط" وبما أن ظروف نشره لازالت قائمة الآن، أو على الأقل متشابهة، وبعد إضافة بعض التعديلات القليلة نعيد نشره