تعتبر الجهوية أساس كل تقدم وتلعب المجالس المحلية الدور الرئيسي في تحريك دواليبها غير أن التجربة المحلية لم تحقق نتائجها المتوخاة إلى حد الآن. وإذا كان الاقتناع السائد بالجهوية في المجال التنموي يتجسد في تصورنا في حكم الشعب بالشعب لمصلحة الشعر وهو الحل الحقيقي لمشاكلنا فإننا نثمن بهذا الصدد الظهير 76 الذي أعطت امتيازات خاصة للمجالس المحلية فقد أصبح لها مهمات أخرى بالإضافة إلى مهماتها واختصاصاتها التي حددها المشرع كالتعليم، والصحة، وقطاع الشبيبة والرفع باللامركزية إلى ترسيخ غاياتها ومشاريعها ليتبلور ذلك بشكل قانوني نؤطره برلمانات وحكومات جهوية كما هو وارد في السياسة المستقبلية للدولة قصد تعميق الديمقراطية، وإعطاء ديناميكية أكثر لمؤسساتها، إلا أننا مع كامل الأسف نرى أن التجربة المحلية حسب تشخيص معطيات الواقع المعيشي ما زلت في مهدها تحتاج ربما إلى المزيد من الاستيعاب ويرجع ذلك في الأرجح إلى سوء اختيار الناخبين لبعض ممثليهم أو لعدم فهم المستشار المحلي دوره و اختصاصه أحيانا فنحن مازلنا بعيدين كل البعد عن تخفيف العبء عن المركزية في مختلف المجالات سواء على المستوى السكني أو الصحي أو الاقتصادي أو البيئي. وقد تصطدم الجهوية أو التجربة المحلية بعدة معوقات نعتقد من بينها عنصر الحزبية داخل المجالس المنتخبة لأن بعض المنتخبين يعانقون التنابز دون تذويب الخلفيات السياسية المقيتة من أجل مصلحة جهتهم وهذا بطبيعة الحال يضر بالمصلحة العامة. وحتى لو كان المجلس منسجما فإنه سيعمل على تجاهل الفعاليات الأخرى، وبث اليأس فيها للتفرد بالحكم والسلطة فالائتلاف هو السبيل الوحيد والسليم للحفاظ على الاستقرار لأن المجالس المحلية وسيلة فعالة لترجمة الشعارات إلى واقع عملي ملموس ومن الواجب أن لا تعرف تساكنا ملغوما نتيجة الخلفيات هذا مع توفير التوازن لممارسة ديمقراطية لا تخضع لمنطق الغالب أو المغلوب لإتاحة الفرصة للعطاء بمفهوم واسع ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون إلى الخيرات وأولئك هم المفلحون". ودونما شك تطلع المجال المحلية بمسؤوليات متعددة تصب كلها في اتجاه واحد إلا وهو تحقيق التنمية بمفهومها الشمولي الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، وهي بهذه الملامح تحتاج إلى إدارة واعية متمرسة لكن الانتخابات المحلية تفرز مولودا غربيا ويبدو ذلك طبيعيا في أعين الملاحظين والمتتبعين لأن معظم الأحزاب قد تخلت عن مهمتها الأساسية في التأطير، والتوعية، والتهذيب، مع العلم أن من ثوابتها إعداد المواطن الصالح لا الحزبي الضيق الأفق، فاختلاف يؤدي في أكثر الأحيان إلى التكامل شريطة أن لا يضر المصلحة المحلية أو الجهوية أو الوطنية ومن هنا تأتي ضرورة التصحيح والترشيد والتقويم ورغم أن الدولة انتبهت إلى ذلك واستفادت من تجارب الدول المتقدمة فنظمت عدة مناظرات تستهدف في توجهاتها التكوين وخلق مجموعة من الأفكار لدى المنتخبين ليكونوا على بصيرة مما حدده المشرع الذي جاء بفكرة اللامركزية مع التنسيق بين جماعات المملكة فمن المؤسف جدا أن تسير الأمور بخطى بطيئة. على أننا لا ننفي صعوبة تسيير المجالس في المجالات المتنوعة انطلاقا مما هو كائن وتطلعا نحو الأفاق لأنه من غير المنطق أن نتصور مجلسا كيفما كانت مواصفاته قادرا على حل كل المشاكل ولكن على الأقل أن يعطي الاهتمام للأولويات التي يطمح إليها الناخبين وما أكثرها بدلا من أن يجتر في جداول أعمال دوراته محاور كبيرة وعريضة يصعب تنفيذها أمام الميزانيات المعتمدة.. ومع ذلك إذا لم تتوفر الإرادة السياسية الصحيحة والنية الحسنة فلن تتبدد الأحلام بالحقيقة الناطقة. فيا رؤساء الجماعات المحلية! ويا أيها المستشارون المحليون! لا تنسوا الميثاق المعنوي القائم بينكم وبين ناخبيكم! أم هل انتهت العلاقة لحظة الإدلاء بالأصوات أثناء عملية الاقتراع؟ واعلموا علم اليقين أن طريق المستشار غير مفروشة بالورود ومسؤولية شاقة لابد أن يعيها ويتفهمها جيدا، وأن ينطلق من قواعد ومبادئ راسخة وهناك مرتكزات يجب أن لا يحيد عنها كالابتعاد عن الازدواجية في خطاب الناخبين وربما الممارسة بالسلوك وعدم استغلال النفوذ للإثراء، وتجنب إهدار المال العام لأن أعضاء المجالس في أمة تعتنق الإسلام هم أصحاب رسالة ينبغي أن يتمسكوا بالقيم الوطنية الأصلية وواجب المواطنة يحتم عليهم أن يتحملوا الأمانة بكرامة وشرف فهذا وطنكم وحب الوطن من الإيمان وهذه مدينتكم وهذا بيتكم فحسنوا تشييده وتزيينه لتجدوا فيه السكينة والهدوء ولا تنسوا أن الشعب المغربي بعراقته وذكائه الفطري يميز بين الغيث والسمين، ويضع الأمور في نصابها ويستحضر ذاكرته في الوقت المناسب ويتخذ المواقف، وكم من مجلس لم يسع إلى تصحيح الأداة والوسيلة، مما حيث بقيت دار لقمان على حالها فكان العار والخزي على جبين بعض أعضائه والتقدير والاحترام لمن يحمل المشعل ويضيء السبيل بصدق وأمانة في وثبته إلى الأمام دائما إلى الأمام.