جيد أن يكون لنا تعليما خاصا ممتازا وفق منهجية تربوية وبيداغوجية متطورة، جيد أن تبنى بنيايات تعليمية خاصة تساير العصر وتتأقلم مع الفن المعماري للبلد، جيد أن يجهز التعليم الخاص بأحدث وسائل وآليات التعليم، ولكن ما هو ليس بجيد أن يعطى الإهتمام والتركيز للتعليم الخاص على حساب التعليم العام الذي يحتضن أغلبية فئات الشعب. سمعت أن بعض المدارس العامة قد أقفلت أبوابها وبصم على أقفالها...بالأصابع العشر بسبب الكساد التعليمي الذي وقعت فيه، أصبحت هاته المدارس خالية لا يسمع فيها إلا نباح الكلاب ومواء القطط هم من أخذ مشعال التعليم داخلها، في بعض المدن يتتلمذ عدد قليل من التلاميذ فيها سبحان الله مدارس كبيرة شاسعة وتلاميذ يعدون على أطراف الأصابع فقدت حياة العلم والتعلم داخلها حذف شعار الآية الكريمة من فوق بابها"إقرأ باسم ربك الذي خلق" المفاجئة التي تدعو إلى الإستغراب عدم وجود مدارس كافية في البوادي والقرى النائية، في المدن أصبحت المدارس العامة تقفل أبوابها تحت طائلة الإفلاس الواقع في الرواج التعليمي ويمكن أن يتم عرض هذه المدارس في المزاد العلني على أصحاب القطاع الخاص لتحويله من ملك عمومي إلى ملك خاص كما فعل بالشركات والمرافق العمومية والشبه العمومية التابعة للدولة. أين أنت يا مدرستي الحلوة مدرستي الحلوة هي جنتي فيها تربينا قولوا معيا يا لتحبوها ما أحلى مدرستي أمي الحنونة أصبحت بالمقابل أما تعيسة أصبحت مدرسة بدون عنوان. أيعقل أن أغلبية الشعب دخلهم ضعيف يعانون الأمرين ظروف العيش القاسية ومصاريف التعليم، لا يتم الإهتمام بهم حتي في التعليم الذي هو من أولى الأولويات فهوميزان الدولة الذي تعز به أو تهان. قد يقول أحدكم إني ناقم أو أكره التعليم الخاص فحاشى لله فأي تغذية نافعة فكرية للفرد أنا معها ولكن بشرط احترام قاعدة لا ضرر ولا ضرار. الآباء يعانون ويقاسون هول ما يسمعون من اهتمام المسئولين...بأبناء الأعيان في المدارس الخاصة، أبنائهم فلذات أكبادهم يتم تكوينهم وتأطيرهم بتعليم عام أقل مستوى وشهاداتهم المحصل عليها تكون بدون اعتبار بسوق العمل. الأب يحس بالألم والحسرة عندما يحس فلان ابن فلان أطفاله يتمدرسون في المدارس الخاصة، أبنائه مندرجون فقط في إطار التعليم العام وكأن التعليم العام أصبح إهانة وشتما، قد يأتي الولد عند أبيه ويطلب منه الإنضمام إلى إحدى هاته المدارس الخاصة المعروفة فما يكون على هذا الأب المسكين إلا أن يضرب الأخماس على الأسداس فهو لا يقدر على مصاريف وكلفة هذه النوعية من المدارس. عندما كنت صغيرا في مدينتي كان التعليم أناذاك في قمته ومجده كنا نسمع كذلك بمدارس عمومية ولكن لا يدخلها إلا أصحاب الحضوة من أبناء السلطة والمال، أتذكر أني كنت أسأل والدي الحبيب أن يسجلني بهاته المدارس لأنها بها أحسن الأطر والإهتمام يكون بها مبالغا. على العموم التعليم العام كان يجمع الجميع تحث سقف واحد وتحت قاعدتي التعميم والإجبارية. زمن التعليم العام أصبح زمنا جميلا غابرا يحكيه الحكواتي في جامع الفناء فلم يبقى منه إلا القليل. الطامة الكبرى هو أن المسئولين المهتمين بقطاع التعليم العمومي بهمومه وبمشاكله أبنائهم مندرجون ومسجلون في المدارس الخاصة وكأنهم ضمنيا يعترفون بكفائة وقيمة التعليم الخاص مقارنة بالتعليم العمومي إنها العقدة في المنشار فمن يحلها أهو صاحب المنشار أم المنشار نفسه. فكرة جيدة أن يمنع أطر التعليم العام من ممارسة المهنة في إطار القطاع التعليمي الخاص كي يتفرغوا لأبنائنا بالتعليم...العام، لكن هذه الخطوة تبقى غير كافية بل لا بد من خطوات وخطوات كي يصبح تعليمنا العام راشدا وذو أهلية. أرجو من كل إنسان عنده ضمير حي وما يزال ينبض في قلبه حب للتعليم العمومي وما زال يخاف على هذا القطاع أن يعمل بكل ما أوتي من طاقة بإخراجه من غرفة الإنعاش كي يستمر وتستمر معه ضحكة الحياة والتي تتمثل وتنجلي في برائة ووجوه أولاد هذا الشعب الكريم. لا تنسوا أن التعليم العام هو المدرسة الأم التي فرخت هذا الطفل الوليد المسمى التعليم الخاص وإلى أن يتم الإهتمام بهذا التعليم وخلق توازن بينه وبين التعليم الخصوصي يبقى للمستور بقية.