نهدف من خلال هذه الورقة الموجزة الوقوف عند بعض الأسئلة التي بدت لنا من خلال القراءة الأولية لمجموعة" قال لي ومضى " قصص قصيرة جدا(1)، للقاص المغربي "عبد الحميد الغرباوي" ، ولهذا لن نهتم هنا بالمضامين فحسب، وإنما أيضا بالأسئلة النقدية التي تطرحها المجموعة و كذاالغايات الجمالية المتوخاة من وراء ذلك. وقبل ذلك ينبغي أن نتوقف عند العنوان نظرا لأهميته وامتداداته السردية داخل المتن العام. في دلالة العنوان: لما كانت عناوين القصة القصيرة جدا تساعد الكاتب على بناء وصوغ نصوصه فنيا غير بعيد عن انشغالات وتلقي القارىء بمختلف مستوياته،فإنه من اللازم أن لانقرأ العنوان بمعزل عن المتن الذي يفضي إليه، بل سنحاول الوقوف علي امتدادات هذا العنوان في باقي المتن السردي، اعتبارا لكون العتبة تشكل امتدادا داخل البناء النصي. يلاحظ القارىء أن العنوان جاء وفق التشكيل التالي: قال – لي – ومضى. يحيل - هنا - العنوان معجميا على فعل القول في زمن ماضي معلوم لذات مخصوصة . وغني عن البيان أن هذاالقول كما يتضح يقترن بالانصراف. غير أنه من الناحية الدلالية يمكن له - أي القول- أن يتخذ أشكالا مختلفة بعيدا عن فعل القول العادي، منها سرد الذات على نفسها ولنفسها ولغيرها، وكذا ممارستها للغة الحكي في إطار العلاقة الذهنية و الجدلية القائمة بينهما وبين المتلقي. ويستنتج أن عبد الحميد الغرباوي اقتطف عنوان متنه من داخل نصوصه القصصية. ويمكن للقارئ الاستفاذة من هذا التوظيف في عملية بناء دلالات نصوص المجموعة في الوقت الذي تتخذ فيه هذه الأخيرة الكثير من الأبعاد والإيحاءات الدلالية. يقول عبد الحميد الغرباوي في الصفحة/14 : "الألم ينتج إحساسا مهولا بالذات... قال لي ومضى..." ، كما يقول في قصة أخرى بالصفحة /30" العالم على مشارف التلاشي ... قال ... ومضى... ، ويضيف قائلا في الصفحة/43"...، وأنا سيد الوقت . قال لي ومضى ... " في المتن الحكائي: تمتد مجموعة" قال لي ومضى " على مدى (131) صفحة، وتشتمل على: (121) قصة قصيرة جدا متفاوتة من حيث الطول والشكل. أما بخصوص الموضوعات التي تعرض لها المجموعة، فهي متنوعة و مختلفة تكاد تغطي من حيث المبدأ جوانب مهمة من تجربة الإنسان الاجتماعية والنفسية وكذا الأخلاقية و القيمية والتربوية. وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن تجربة قصصية تتأرجح من حيث الموضوعات بين: التهميش/الإدمان/الألم/الحرمان/الدعارة/الإيمان/الحب/التعب/الكبت/النفاق/الموت/الانتظار/ النفاق/إشكال الإبداع/ الهروب/الأمومة... إلى غيرها من باقي الموضوعات الأخرى التي يعيشها الإنسان، أوبالأحرى تعيشه تحث تأثير الميولات و النزوعات الغريبة و الجديدة التي بات ينتصر لها الإنسان. يتضمن المتن القصصي العام جملة من السمات البلاغية التي تساند فضاء: الشخصيات والأحداث والحوار إضافة إلى مكونات أخرى يضيق المجال لذكرها،وسنعرض- بشكل سريع - لبعضها كالتالي: سمة المفارقة: يلاحظ القارئ في قصة" اعتذار"بالصفحة /43،أن الشخصية الرئيسية ذات نمط مفارق لحالتها الشعورية الحقيقية. نقرأ "وعملا بما جاء في القصيدة، زعم أنها جاءت ولم تجده. وبواسطة الsms كتب لها يقول: سامحيني". إن صورة هذه الحالة النفسية وسمتها الرافضة للانتظار، سرعان ما تكشف لنا تقابليا عن حالات الآخرالمخل بتعهداته والتزاماته، وهذه واحدة من الأزمات الأخلاقية التي عصفت بالإنسان لتطال بنية القيم المجتمعية. أما في قصة" أمومة"بالصفحة /15،فينقلنا السارد إلى عالمم أكثر مأساة يقدم من خلاله قصة امرأة راقصة تقدم خدمة التنشيط والغناء لزبناء طاولات القناني مخلفة من ورائها رضيعا صغيرا، لكنها بعد الانتهاء من رحلتها المحفوفة بالمخاطر في أوقات متأخرة، تسرع للاطمئنان على صغيرتها هامسة "لن أدعك لمصير كمصيري أبدا،..أبدا...". إن هذه القصة تجسد ملامح امرأة تفكر بعقليتين، عقلية من داخل الأمومة والأخرى من خارجها. وبإمكان القارىء أن يجد امتدادات لهذه المرأة داخل محيطات المجتمع، لكن الغريب هومدى قدرة هذه المرأة وأمثالها على التعايش مع هذه المفارقة. سمة السخرية: إلى جانب المفارقة التي تحفل بها المجموعة والتي لا تقتصر على النموذجين المذكورين فحسب، يمكن الحديث عن سمة أخرى تتمثل في السخرية. وغني عن البيان أن هذه الآلية يلجأ إليها بعض الكتاب لتحقيق الجمال،و طابع التنويع الأسلوبي والشكلي على المتن السردي. وبالوقوف عند بعض المؤشرات التي تحفل بها نصوص مجموعة"عبد الحميد الغرباوي" ، يجد القارئ حضور هذه السمة من خلال بعض النماذج القصصية. مثلا في قصة" تقمص"بالصفحة /38،يطالعنا السارد بقصة حب أشبه بالمسلسلات التركية "أجهشت باكية على كتفه/ فاجأه بكاؤها لغير سبب.../ ضمها إلى صدره مربتا على ظهرها.../ ابتسمت وهي تدفن ةجهها بين ذراعيه../لقد أجادت لعب دور الممثلة التركية الفاتنة في المسلسل العاطفي المفضل لديها..." الأكيد أن هذه القصة لا تقف عند حدود العنوان الذي صدر به الغرباوي قصته، بل تتعداه إلى درجة سخرية الموقف من الحب والمحبوب في آن واحد. إن القارىء يجد نفسه أمام مكر حقيقي يستمد شرعيته من الاستبدال ، استبدال العملة الجيدة بالرديئة. إن هذا المشهد بدلالاته المنفتحة يجسد صورة حية لترويض للقيم، وبإمكان القارىء رصد هذه الأنماط من الصور في مجال العلاقات الإنسانية كما تنتجها مثل هذه الذهنيات. سمة الحذف: تراهن بعض النصوص السردية على إقامة علاقة تواصلية بينها وبين القارىء بما تشمله من لغة وصور وأفكار ومشاهد ومواقف. ونصوص" قال لي ومضى " لا تخرج عن هذا الرأي، فهي بهذا المعنى تقول وتمضي نحو هذه العلاقة. نقرأ في قصة"العالم"بالصفحة /76"هذا كل شيء.../كل شيء.../تناسل،/ولادة،.......موت/ والباقي، لا شيء.../ ياله من عالم.../ قال لي ومضى" إن اللغة التي توسل بها "عبد الحميد الغرباوي" في بناء هذا النص أسلوبيا تتميز بالحذف وهي سمة تكادتهيمن على كل النصوص. إلى جانب هذا فهي تقوم بوظائف متعددة إذ يمكن إجمال بعضها في: الجمالي، التضمين والايجاز و كذا إتاحة الفرصة أمام القارئ للإسهام في بناء معاني النص وتوسيع قاعدتها. خلاصة: خلاصة القول إن القاص المغربي عبد الحميد الغرباوي قد تمكن من ضمان توفير بطاقة العبور خاصة بالقارىء، للانتقال به إلى عالم غني بالمواقف والمشاهد والصور، متوسلافي ذلك بالقصة القصيرة جدا والتي يعتبر الغرباوي أحد دعاماتها، خاصة إذا أخذنا في عين الاعتبار ما راكمه من منجزات في هذا المجال. بيد أن قراءة نصوص عبد الحميد تقتضي إحاطة القارىء بوضعية القصة القصيرة جدا باتجاهين، اتجاه التأليف واتجاه التلقي. فبدون هذا الترابط االعضوي لا يمكن فهم الكون القصصي لدى صاحب " قال لي ومضى ". (1) عبد الحميد الغرباوي،" قال لي ومضى "، قصص قصيرة جدا، الطبعة الأولى، السنة:2010 التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع.