عزيزتي عبق الزهر: هاهي ذي الأقدار تجمعنا من جديد، بعد أن يئست تماما من أن يكون لي لقاء بك ثانية، جعلتك ذكرى يخفق لها قلبي متى جلست أرسم عبق سفرك في ذاكرتي وذاكرة الحمام المحلق في الفضاء، وفي غيوم البحر الرابض في نظراتي. تجمعنا الأقدار- ومن عجب- في مكان آخر لم يكن يخطر في بالي أن تكونين فيه. أخذني السهوم مأخذا بعيدا، صمت صمت الساحرين، الذين فقدوا عقولهم، وسلبوا القدرة على التحكم في مشاعرهم وعواطفهم حتى يخال من يراهم على هذه الحال أنهم صنم من حجر أو ماشابه.سرحت طويلا في شجرك النابت في روحي، كسماء تطبق أنفاسها على جزر البحار، وجداول الأنهار وصهاريج الشمس الوامضة بعطر روضك،سرحت في شعاعك الأول الذي حفني بالورد وماء الشجر ورذاذ المدام المشع من عينيك، سرحت في الشمس التي امتدت منك إلى شراشف العمر ..كنت أقول - وأنت هناك في ذلك المكان القصي - بين غمام الشجر وضباب النوافذ المشرعة على الأحلام المتناثرة على رصيف القمر. أيعقل أن تغيب هذه النسمة التي كانت تهب في روحي فأورق بين فجاج الأفق البعيد ،تطير في رأسي نشوة الفرحة كخرير المساءات، تغني النوارس في كفي، يرقص الموج عميقا في صهريج الروح، تنبت أصابعي في صخب الماء، تنحتني المرايا في زرقة السماء حفيفا لظلال أقواس الغابات البعيدة والغصون العائمة في صقيع الريح .أيعقل أن يصبح كل ذلك خيوطا تتقطع على مقصلة الروح ؟ لم أكن أصدق ذلك في خاطري ، وهاهي الأقدار تثبت حدسي وتؤكد عواطفي وإلى آخر العمر أعانق فيك مراكبي وأمواجي ..