شهدت منطقة الساحل وشمال إفريقيا حدثين بارزين، الأول إعلان أزواد الإستقلال عن مالي وموقف دولة الجزائر الراعية لحق تقرير مصير الشعوب، المتمثل في الرفض وعدم السماح بالمساس بوحدة مالي الترابية، بينما الحدث الثاني فهو وفاة أول رئيس للجمهورية الجزائرية بعد الإستقلال، أحمد بن بلة، ومشاركة وفد من البوليساريو بقيادة الزعيم المشهور في مخيلة النظام الجزائري المسمى “المراكشي”، في حفل تشيع جثمان الفقيد. لنطرح التساؤل التالي، لماذا الجزائر ترفض انفصال الطوارق عن مالي وتؤيد انفصال الصحراء الغربية عن المغرب؟ هل أرض مالي أكثر طهارة وقداسة من أرض المغرب؟ أم أن للجزائر أطماع في الصحراء؟ في إطار الثنائية القطبية التي ميزت العلاقات الدولية بعد وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، برزت الجزائر كالنموذج الاشتراكي الساعي لزعامة المنطقة، والحالمة بقيام دولة قوية مستفيدة من عائدات المحروقات، والباحثة عن قضية تخول لها الريادة الإقليمية. لم تجد الجزائر العاصمة إلا الجار المغربي الذي لم يبخل على بلد مليون شهيد بمده يد العون وتقديم المساعدة له في مواجهته للمستعمر الفرنسي، حيث بدأت تلعب على حبال الحدود الشرقية، وردها الجميل للأشقاء برفضها تسوية الحدود وفق الاتفاق السري الذي جرى بين المغرب والحكومة الجزائرية يوم 6 يوليو1961، ما نجمت عنه حرب “الرمال” التي أرخت بظلالها على العلاقات المغربية الجزائرية برمتها. لم يهدأ الحلم الجزائري الطامح للهيمنة المحلية والإقليمية، ولم يقف عند هذا الحد، بل تخطى ذلك وسعى إلى تقزيم المغرب، وفصل جنوبه عن شماله، والحد من عمقه التاريخي الإفريقي، والعمل على طمس معالمه مهد الحضارات (الموحدين والمرابطين ...)، لأن مصدر قوة المغرب التاريخية في صحراءه ومصدر قوته في الحاضر والمستقبل. لهذا كانت عائدات المحروقات وأموال البترودولار في خدمة الأجندة الدبلوماسية الجزائرية، التي وضعت الصحراء الغربية ضمن أولوياتها القومية الإستراتيجة الأمنية، وجعلت من القضية كتابا مقدسا ومنهجا لها، نستشف ذلك من خطابات الساسة وتحركاتهم على أرض الواقع، ولنا في تصريح رئيس موريطانيا السابق، ولد دادة، ما يؤكد ذلك، حيث تعرض للتهديد والوعيد من طرف الرئيس الجزائري السابق الهواري بومديان، من أجل التخلي عن الصحراء، لأنها ببساطة أمن قومي جزائري. جزائر الأمس صاحبة الحلم الكلاسيكي، أمام نجاحات المغرب، في استرجاع أراضيه، بواسطة مسيرة 350 ألف متطوع، فقدت البوصلة الدبلوماسية، ووصلت يدها الآثمة لمواطنين مغاربة أبرياء، مقيمين في الجزائر، لتطرد نفس عدد متطوعي المسيرة التي سماها المغرب الرسمي بالخضراء، مع التنكيل بهم وصد ممتلكاتهم، غير آبهة لروابط الدم والدين، كما دخلت في صدام مباشر مع المغرب سنة 1976، عرف بموقعة” أمغالا”، انتهى النزال بوساطة عربية لاحتواء الأزمة. الوجه المكشوف للجزائر سيوازيه الوجه الخفي الأكثر خبثا، وذلك لمسايرة الأحداث المتسارعة التي عرفها الملف، والحد من نجاحات المغرب، حيث لم يعد للجزائر سوى خلق ورقة شعب وهمي، تحت قيادة وهمية، والتلويح بحق تقرير مصير الشعب الصحراوي، وبدعم جزائري ثم إعلان يوم 27 فبراير 1976، ميلاد الجمهورية الصحراوية، بقيادة جبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ومن أجل الترويج للشعب الأسطورة، فعلت الدبلوماسية الجزائرية آلياتها في إطار لوبيات (ليبية وكوبية) حيث توفقت في كسب اعترافات دولية ذات التوجه الاشتراكي ب “الجمهورية السراب”، وهذه النجاحات لم تحققها شعوب موجودة تاريخيا وجغرافيا. الملاحظ أن الجزائر بعملها المكشوف احتضنت شعبا لا وجود له، وضمنت له مقعدا في منظمة الإتحاد الإفريقي، في تواطأ واضح للوبي الإفريقي الجزائري، ووفرت لقيادته الدعم المادي والمعنوي، كل هذا ليس من أجل سواد عيون الشعب الصحراوي، ولا من أجل عالمية مبدأ حق تقرير مصير الشعوب، بل من منطلق أمني إستراتيجي، يتجاوز الشعب الأسطورة. فالجزائر تُفصل والبوليساريو تلبس على حد دهاء مصممي عسكر قصر المرداية، ما يحيلنا إلى طرح تساؤلات وملاحظات حول ورقة “البوليساريو”، التي توظفها الجزائر، وتقدمها كإطار سياسي ولسان حال الشعب المزعوم. فمن هم قادة الجبهة؟ وهل يعلمون بالمخطط الجزائري ببعده القومي الأمني الإستراتيجي؟ أم أنهم الوجه الأخر للنظام الجزائري؟ الجواب أن هؤلاء القادة هم في الأصل طلبة الرباط، صحراويي طانطان، كانت لهم أفكار وأراء فيما يجري في جنوب المغرب، وأنهم مع الطرح القاضي بمواجهة إسبانيا بالقوة، وليس بطرق سلمية، وهو الأمر الذي لم يستسغه النظام المغربي، وتعامل معهم بجفاء وقسوة الأب مع أبنائه، إزاء هذا الموقف توجهوا نحو الأحزاب السياسية المغربية وقتها، والتي أدارت ظهرها لهم، وقالت باستطاعتنا تحرير الصحراء من مكاتبنا، ونتيجة لعدم أخذ مطامح الشباب المتحمس والمندفع، محمل الجد واحتواء أفكارهم، سقطوا في فخ الأنظمة الثورية آنذاك، (ليبيا القذافي وبومديان الجزائر)، التي تريد ضرب المغرب وزعزعة نظامه واستقراره. فكانت بمثابة الهدية التي نزلت من السماء، وهكذا تطورت الفكرة ونمت واختمرت، في ظل الحرب الباردة، التي ميزت سبعينات القرن الماضي، فأصبحت النزعة الانفصالية نبراسا، والانتقام من المغرب عنوانا، لهؤلاء مغاربة طانطان وطرفاية، وأمام التحركات السافرة للجزائر، وصنيعتها البوليساريو، في حق وحدة المغرب الترابية، جاء الرد المغربي مرة أخرى، دفاعا سلميا حضاريا حيث لم ينجر إلى العنف والحرب، مؤمنا بأن النزاع المسلح، لم يعد مغامرة تحسب عواقبها. وأتى مقترح الرباط القاضي بالاستفتاء في قمة نيروبي، لما كانت تسمى سابقا بمنظمة الوحدة الإفريقية، في العام 1981، كدليل على تبني النهج السلمي، وفي نفس الوقت، كبح مناورات ودسائس الجزائر، ودحض الإدعاءات بالحجة والبرهان على مغربية الصحراء الغربية، وإلى جانب ذلك، ابتدع المغرب فكرة في غاية الذكاء السياسي، وهي فتح الباب لأبناء الصحراء للعودة لأرض الوطن، “إن الوطن غفور رحيم”، والتي لقيت نجاحا كبيرا، وشكلت صفعة كبيرة لمروجي مبدأ حق تقرير المصير، فالتحق كبار قادة ومؤسسي البوليساريو، (إبراهيم حكيم، الشيخ مربيه ربو، حماتي رباني وآخرون، مع أفواج كبيرة من الصحراويين. لكن الجزائر التي أغدقت الأموال، وسخرت كل طاقاتها وإمكانياتها، لخلق دويلة في المنطقة المغاربية، تكون تابعة لها مباشرة، لم تيأس وتقنط في معاكسة حق المغرب، فهي التي جعلت أموال البترول والغاز في خدمة الشعب الأسطورة، لمدة تزيد عن 37 سنة، لأنها في ذلك تخدم مصلحتها العليا.