كلام في الحجر الصحي سلسلة في حلقات يعدها الأستاذ محمد أكرم الغرباوي لاستقراء آراء فاعلين جمعيويين ، مثقفين ، رياضيين ، شراح مختلفة …ترصد تجربة الحجر . الحلقة 50 تستضيف الموضوع ذ : محمد سعيد الوهابي – كاتب و مخرج مسرحي _______ مامن يوم يمر ولم نرجع إلى حياتنا اليومية المعتادة ، إلا وهي فرصة عظيمة يجب اغتناؤها وذلك من خلال قلب معادلة كورونا وما فرضته من من حد لحريتنا وضيق لمعيشتنا . نعم بجب أن ننظر الى الوجه المضئ للوباء ، فهذه الجائحة فرصة مهمة للوقوف والتأمل في الكيفية التي نعيشها ونحن في عصر التقدم كما يقال . كما أنه فرصة من الفرص الذهبية لتسجيل وتوثيق حياة الناس في زمن كورونا… سأركز هنا في هذا المقال على الجانب الثقافي والأدبي باعتباره رافدا مهما من روافد حياتنا بل وأكثرها تأثيرا في في كيفية نظرتنا للأشياء وكيفية التصرف والتحكم في قراراتنا . نعم الثقافة بهذا الوزن والحجم ، وأمام وضع جائحة كورونا تصير مهمة رجال الثقافة والأدب من كتاب وأساتذة و باحثين ومفكرين مهمة شاقة ومطلبا تاريخيا لتوثيق للحظة وما تحويها من أحداث تستحق التوثيق . إن هذه المهمة لا تقتصر على المؤرخ والأنتربولوجي ، بل إن فعل الأدب والإبداع الأدبي يبقى له دوره الفعال في تعريف وتدقيق كل يوم نمر به محبوسين في بيوتنا. وفي فترة من فترات تاريخ الأدب العربي كان لمجموعات مختلفة من الأدباء ، رد فعل قوي تجاه ما يحدث في واقعهم وأوطانهم ، فهاهي الرابطة القلمية تلعب دورا بارزا في توقيق لحظة هجرة مجموعة من الأدباء من أوطانهم إلى بلاد الغرب كما دعت إلى تمثل حياة جديدة بعيدة عن التقليد . و نمثل هنا ذلك بجبران خليل جبران وغيره…فهذه الجماعة صورت كتاباتها اللحظة الراهنة في ذلك الزمان وما خلفته دعواتهم الجديدة بعد أن يئسوا من جمود الإنسان العربي وانحطاطه يقول : الخير في الناس مصنوع إذا جبروا والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا وأكثر الناس آلات تحركها أصابع الدهر يوما ثم تنكسر فلا تقولن هذا عالم علم ولا تقولن ذاك السيد الوقر.. وكان لمجموعة أخرى من الشعراء الدور الكبير في توثيق لحظات الانحطاط التي مرت بها الأمة مع بروز أطماع الاستعمار الغاشم . يقول الشاعر محمد الحلوي : تنادي بني العرب أوطانها وتنزف بالدمع أجفانها وتستنهض الهمم الخائرات فلا يتحرك وجدانها يكشف التاريخ الإنساني مرور الإنسان بكوارث وأزمات هددت وجوده في الحياة ، ولعل دور التوثيق كان له الوظيفة التاريخية الفعالة في نقل الصورة الى الأجيال اللاحقة . إننا في زمن كورونا نحتاج أيما احتياج لتوثيق اللحظة الراهنة سواء بالكتابة في أجناسها المختلفة أو بالوسائل التكنولوجية الحديثة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي….. في زمن كورونا ظهرت أحداث مختلفة ومتعددة وفريدة وقعت في مجتمعنا المغربي وهي أحداث تستحق ان تجمع في موسوعة أو مسلسل مصور ، ذلك أن كل يوم يطالعك بأخبار جديدة ، ومعلوم أن الذاكرة الثقافية العربية والمغربية على وجه الخصوص ذاكرة مبدعة لحاضرها ومسجلة لمستقبلها ، فتلكم اليوميات التي نسمع بها أو نشاهدها ، يكفي أنها تتمتع بمختلف مقومات التشويق والطرفة والمزح والمأسي المختلفة ، من ذلك واقعة شيخ الذي سب الدولة وكفرها فكان مصيره السجن مرورا بفتيات سخرن من رقم وزارة الصحة … وأيضا المحسن الذي يدق أبواب منازل الفقراء ويترك في العتبات قفة مملوءة بالخيرات المختلفة دون أن يرى أحد وجهه… هذه عينة من الأحداث التي وقعت وغيرها موجود ومعروف. لهذا وغيره تشكل هذه الأحداث مادة خصبة يجب أن تستهوي الكتاب من أجل ترسيخ اللحظة الراهنة…. وأكيد أن وباء كورونا لن يستكين في مكانه بل ستحل نسائم الحرية والعودة الطبيعية الى حياتنا قريبا ..لكننا قبل ذلك لابد أن يكتب الكتاب و يبدعوا في راهن اللحظة . فمن حق الأجيال القادمة معرفة ماحدث بتفصيل كبير ، فيما ما قصرنا فيه وما اجتهدنا فيه، فمما لا شك فيه أن أخطائنا واردة و مسؤولة عن مئات الموتى التي نسمع بها ، سواء بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ولعل المستقبل القريب كفيل بأن يحدد مسؤولية من في ظهور وانتشار و الوباء، وما خلفه من ضحايا ومن أموات في مختلف الدول. إذن من باب الأمانة التاريخية أن نوثق أحداث كورونا، وتغير حياة الناس ومدى تكيفهم مع حالة الطوارئ و امتثالهم للحجر المنزلي . فطباع الناس قد تغيرت ، بل وحتى نظرتهم الى أمور دنياهم قد عرفت اهتزازا ملحوظا ، فقد اختفى من تفكيرهم اشياء كانت لها الأولوية في حياتهم كالكرة مثلا، فيما تم التركيز على الالتزام بنصائح المسؤولين من أجل تفادي الإصابة بكورونا ونقل العدوى إلى أقربائهم… أمام هذا التغيير الكبير صار لزاما على على أهل الأدب والمثقفين تصوير وتسجيل هذه الأوضاع الجديدة . في المستقبل قد تحدث كوارث لا يعلمها الا الخالق ، وقد تكون هذه المؤلفات المكتوبة والمسجلة عن زمن كورنا ، وثيقة تاريخية شاهدة ستنفع بما تضمه من وقائع وأحداث وشخصيات. لذلك كان معظم الكتاب يشتكون في عدة مرات من غياب أفكار محفزة و جديدة لنثر ابداعهم ، وهاهي لحظات كورونا تدعونا جميعا لتوثيق كل ذلك في مختلف مجالات الإبداع.