2- من جهة اخرى فإن بعض علماء الإجتماع ،يتنبأون بحدوث تغييرات عميقة بعد جائحة ” كورونا ” و ستطال بنيات العولمة التقليدية و تعيد تشكيل ثوابت التجمعات الاستهلاكية الكبرى . و اعتبروا أن مهام البشرية المستعجلة الآن هي السيطرة على أمواج تسونامي : الصحية و الاقتصادية ،و في حالة فشلها في السيطرة عليه،ستواجه حينئذ سنوات عجاف و مظلمة. و يذكرون أن كل وباء عرفته الإنسانية أدى إلى تغييرات جوهرية داخل أنظمة الأمم السياسية و داخل الثقافات التي تتبنى تلك الأنظمة. فإذا أُخِذَ وباء ” الطاعون ” كمثال ،و الذي أدى إلى قضاء ثلث القارة الأوروبية، فيمكن القول أنه ساهم في قيام القارة العجوز بمراجعة جذرية لمكانة رجال الدين السياسية . مما أدى إلى نشوء أجهزة الشرطة باعتبارها الشكل الوحيد الفعال لحماية أرواح الناس و هو ما أدى إلى ولادة الدولة الحديثة و معها روح البحث العلمي كنتائج مباشرة. و إذن تمت مراجعة سلطة الكنيسة الدينية و السياسية بعد ثبوت عجزها عن إنقاذ أرواح البشر و بالتالي حل الشرطي محل الكاهن . و الأمر نفسه وقع في القرن 18 ، حيث حل الطبيب محل الشرطي. و هكذا تم الانتقال في ظرف بضع قرون من سلطة قائمة على الإيمان ،إلى سلطة قائمة على احترام القوة ، و صولا إلى سلطة أكثر فاعلية تقوم على احترام القانون. و إذن كلما ضربت جائحة قارة ما ،إلا و قامت بإثبات زيف المنظومات القائمة على المعتقدات و السيطرة ، لفشلها في الحيلولة دون موت إعداد لا تحصى من البشر ،و من تم ينتقم الناجون من أسيادهم.(1) و اليوم إذا عجزت السلطة القائمة على التحكم في هذه المأساة ،فإن منظومات الحكم و معها كل أسس السلطة الأيديولوجية ستكون موضوع مراجعة جذرية و سيتم استبدالها بنماذج جديدة قائمة على نوع آخر من السلط. بمعنى آخر يمكن لنظام الحكم القائم على حماية الحقوق الفردية أن ينهار ،جارا معه أليتيه الرئيسيين : السوق و الديمقراطية.(2) فإذا سقطت أنظمة الحكم الغربية ،ستعوضها أنظمة رقابية ،استبدادية تعتمد كليا على تقنيات الذكاء الاصطناعي و ستشهد أنظمة تقوم بتوزيع الموارد على نحو استبدادي. و بعد فترة المراجعات العميقة لمفهوم السلطة ،ستشهد البشرية ولادة سلطة جديدة تقوم على الإيمان و القوة و العقل،و ستنتهي السلطة السياسية إلى أولئك الذين أظهروا تعاطفهم مع الآخرين و ستؤول الهيمنة إلى القطاعات الاقتصادية التي أظهرت تعاطفا مع الناس : الصحة ،المشافي ،التغذية ،التعليم ،البيئة. و ستتوقف عملية شراء السلع غير الضرورية بشكل محموم و سيعود الأمر إلى أساسيات الحياة. و المهم أنه كلما أسرع البشر في تنفيذ هذه الاستراتيجية ، كلما تم الابتعاد عن الجائحة و ما يتبعها من أزمات اقتصادية. (3) (1)، (2) ،(3) جاك اتالي سوسيولوجي و مستشار الرئيس الفرنسي ” ميتران “